ظهر مصطلح الفلول فى مصر وأصبح هؤلاء جزءا من الثورة المضادة لثورة 25 يناير، ولكن هذا المصطلح يطلق أيضا على النظم القديمة التى انتهت بثورات أو بشكل عنيف، مما يتطلب أن ندرسها دراسة متأنية عاقلة تراعى حقيقة أساسية وهى أن المجتمع لا يجوز أن ينقسم بعد الثورة انقساما غير ضرورى. ففى جميع الثورات كان ملف النظام السابق حاضرا، وكان هذا الملف فى الغالب يتم تصفيته تصفية جسدية أو اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية. ولا شك فى أن ممارسات النظام السابق بكل أجهزته وأدواته وأمواله الحرام المنهوبة والمهربة قد استخدمت ضد الشعب مرة أخرى فى حالات الانفلات الأمنى وأزمات أدوات المعيشة والأسعار فى ظلم جديد للمجتمع؛ لأن النظام القديم يحاول حتى الآن إما أن يهزم بشائر النظام الجديد أو أن يحتفظ ببعض قواعده فى النظام الجديد، ولعل أسطع لحظات المأساة عندما تحالف شباب الثورة مع قوى غامضة جنبا إلى جنب مع قوى النظام السابق ضد الدستور على أساس أن إقراره انتصار للتيار الإسلامى، وظهر العداء واضحا بين هؤلاء جميعا وبين التيار الإسلامى وكأن رفض الدستور يؤدى آليا إلى تحقيق أهداف الثورة ودخل بهذا المعترك كل الشخصيات الوطنية والانتهازية فى تحالف غريب لا يبرأ التيار الإسلامى من مسئوليته الجزئية عنه. "مربط الفرس" فى هذا التحليل هو أن الدستور الجديد قرر العزل السياسى لقيادات الحزب الوطنى المنحل ولجنة السياسات، فكان ذلك النص كافيا لكى تستدعى رموز النظام السابق فى معركة الدستور، وبقى أن نبحث فى مدى شمول هذا النص وكيفية تطبيقه، ذلك لأن أطراف نظام مبارك كانوا جزءا من الفساد؛ إما بالمشاركة وإما بالمشاهدة وإما بعدم التصدى وإما بالاستفادة فى جميع المجالات. فقد نصت المادة 232 من الدستور الجديد على منع قيادات الحزب الوطنى من ممارسة العمل السياسى والترشح فى الانتخابات الرئاسية والتشريعية حتى عام 2022، ويقصد بالقيادات كل من كان يوم 25 يناير عضوا بالأمانة العامة للحزب أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على الثورة، أى خلال السنوات العشر السابقة على الثورة. ومعنى ذلك أن هذه المادة بذاتها هى التى تمنع من الترشح وممارسة العمل السياسة لما لا يقل عن 2000 مواطن. ويلاحظ على هذه المادة ما يلى: ومن الواضح أن الحظر ينطبق فورا لمجرد سريان الدستور يوم 24 ديسبمر 2012 وليس فى حاجة إلى أحكام قضائية أو قانون، ويكفى إصدار لوائح بأسماء هذه القيادات دون تمييز، وهو أمر يقوم على أساس أنهم جميعا كانوا فى مركب واحد. والمعلوم أن العزل السياسى كان قد تضمنه قانون أصدره المجلس العسكرى فى عهد حكومة عصام شرف الثانية لكنه لم يطبق فسمح لرموز النظام السابق بإنشاء عشرة أحزاب سياسية احتل ممثلوها نحو 10% من مقاعد مجلس الشعب المنحل. ولذلك كان النص على العزل فى الدستور يهدف إلى ترقية المستوى القانونى للعزل بعد ما حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون العزل. هذه المادة هى التى دفعت رموز النظام السابق إلى التحالف مع القوى الأخرى التى عارضت الدستور، فما علاقة هذه المادة بالعدالة الانتقالية؟ أعتقد أننا يجب أن نفرق بين الذين ارتكبوا جرائم من النظام السابق والذين أثاروا الفساد على حساب الوطن وصحة الشعب والذين كانوا مخالب النظام لتغييب عقله وتدمير وعيه وبين الذين اضطروا إلى الانضمام إلى صفوف الحزب الوطنى ولجانه أو عضوية مجلس الشعب والشورى ليدافعوا عن أنفسهم من شرور النظام ورموزه، وكنت أود لو أن نظاما كاملا فى العدالة الانتقالية قد تم إقراره أو تم النص الدستورى عليه، خاصة أنه يبدو أن هذه المادة لم تأخذ حقها من البحث والدراسة، ولذلك يمكن التريث فى تطبيقها. غير أن مؤدى تطبيق هذه المادة هو إبطال الأحزاب التى أنشأها رموز النظام ولا يمكن القول إنها اكتسبت شرعية القانون الذى نشأت فيه، كما لا يمكن القول إن المادة بشكل مطلق تنطبق بأثر رجعى لأنها تعالج المستقبل انطلاقا من آثام الماضى.