اليمن الذي كان سعيداً. أصبح اليوم ساحة حرب ضروس. أساسها غياب العدالة وتخلف المجتمع. وسيطرة القلة علي أغلبية الثروة. وضياع الحق. وغلبة العصبية والقبلية. وهو داء موروث. ظل كامناً في عمق البنية الاجتماعية والسياسية اليمنية. حتي تفجر مؤخراً. وبما احتاج تدخل قوات عشر دول عربية لوضع حد لتدهور أوضاعه! لكن اليمن كان مدخلاً لحديث آخر. في القاهرة. له علاقة بمشاركة مصر في حرب أخري علي أرضه. في ستينيات القرن الماضي. حينما انفجرت الثورة علي حكم الإمامة المتخلف. قادها عبدالله السلال. الضابط بالجيش اليمني. ضد نظام سلطوي ينتمي. بكليته. إلي القرون الوسطي. حيث الجهل والفقر والمرض. وتدني جميع أوجه الحياة. وبما أوجب علي مصر ورئيسها آنذاك "جمال عبدالناصر". أن يستجيب لنداء ثورة اليمن. الذي يطالب بدعمها ضد أعدائها الأقوياء. فأرسل جانباً من القوات المسلحة المصرية لنصرة الثورة اليمنية الوليدة. حيث سال الدم المصري الزكي علي التلال اليمنية. لكي يروي نبتة الحرية في اليمن الشقيق. ومع عودة المقاتلين المصريين من هذه الحرب الشاقة. وكان عدد كبير منهم. من فقراء الفلاحين المصريين. كافأهم الحكم بتوزيع قطع صغيرة من الأراضي الزراعية. لا تتجاوز الفدان أو الفدانين. من الأراضي التي كانت الدولة قد صادرتها من كبار الاقطاعيين. بموجب قوانين الإصلاح الزراعي المعروفة. والمطبقة آنذاك. وكان من ضمن هذه الأراضي الموزعة. في زمام محافظة الفيوم قطع أراض مصادرة من أسرة "يوسف والي". سليل الإقطاع. ووزير الزراعة الأسبق. والأمين العام السابق للحزب الوطني المنحل. صديق الدولة الصهيونية. ورائد "التطبيع الزراعي" الذي دمر الزراعة المصرية وصحة المصريين بالأسمدة والبذور المسرطنة. التي استوردها من "إسرائيل". وفاتح أبواب مصر للصهاينة. يعيثون في قراها وأرضها الطيبة. فساداً وتخريباً! ومع تغير الظروف والأحوال. وانتهاج الدولة سياسة الانفتاح الاقتصادي العشوائي. أو انفتاح "السداح مداح". تم التراجع عن كل انجازات نظام ثورة يوليو. التي صبت في صالح فقراء المصريين. والارتداد عن انحيازاتها الاجتماعية. وكان ذلك مناسباً لبقايا الأسر الاقطاعية القديمة. التي رأت فيها فرصة سانحة للانتقام من الفلاحين. وطردهم من الأرض التي عاشوا عليها لعقود متتالية. وزرعوها وأطعموا أبناءهم وأبناء الوطن من خيرها وعطائها. والمؤسف ان يحدث هذا الأمر بعد ثورتين كبيرتين في 25 يناير و30 يونيو كان شعار "العدالة الاجتماعية" هو شعارها الجامع. ورايتها الخفاقة. وفي عهد يستمد شرعيته من ثورة صنعها الملايين من أبناء الشعب البسيط. الذين أملوا خيراً في النظام "الجديد". لكن علي عكس ما كان متوقعاً. وجدوا أنفسهم يدفعون ثمناً باهظاً. لثورة آمنوا بها. وانتظروا الخلاص علي يديها. وبدلاً من الانصاف المأمول. وجدوا أنفسهم يخسرون كل شيء. ملقين هم وأولادهم وذويهم في الشارع. بلا موئل أو رجاء! وحين استضفنا أكثر من عشرة من فلاحي الفيوم. المطرودين من الأراضي التي آلت إليهم بموجب قوانين الإصلاح الزراعي. في "الحزب الاشتراكي المصري" لعرض قضيتهم علي الرأي العام لوحوا بوثائق حيازتهم للأرض. وإثباتات ملكيتهم لها. وما دفعوه لقاء هذا الحق. علي مدي عشرات السنين لأجهزة الدولة الرسمية. وقالوا أنهم لن يتنازلوا عن حقهم في الأرض التي عاشوا عليها. وربوا أولادهم من خيرها. وطالبوا المسئولين في النظام ان يكفوا أذي الموظفين الفاسدين في أجهزة الزراعة والأمن الذين انحازوا للأثرياء. ولعائلة "يوسف والي" وضد الفقراء "الغلابة". "ملح الأرض". وصناع الحياة. ولعل لهذا الطلب المشروع. ان يلقي آذانا صاغية لدي مسئولي الدولة. ووزير الزراعة الجديد. فيعيد الفلاحين إلي أرضهم. درءاً للفتنة. وحتي لا يدفع الاحتقان الاجتماعي جموع الفقراء للنزول إلي الشارع. بعد أن يفقدوا الأمل.