قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن الصعاب والتحديات التي تواجهنا ليست مجازية ولا من قبيل المبالغة. أضاف الرئيس خلال مشاركته في جلسة خاصة بمنتدي دافوس الاقتصادي العالمي أن الشعب المصري لا تمنعه التحديات الجسيمة من الخروج منها مكللا بالنصر لافتا إلي أن الشعب المصري يواجه التحديات والصعاب بكل شجاعة. وجه الرئيس الشكر لرئيس المنتدي كلاوس شواب لتوجيه الدعوة له للمشاركة في أعمال المنتدي لما تمثله الدعوة من تقدير لمصر والمصريين الذين ساهموا ويساهمون في العطاء للبشرية. أكد السيسي علي ضرورة أن تتضافر جهودنا كافة من أجل القضاء علي آفة الإرهاب مهما تخفي في أسماء مختلفة وأن ذلك يقتضي التعاون فكريا وثقافيا وأمنيا وتبادل المعلومات حتي يمكن وضع حد لهذه الآفة. خاطب المجتمع الدولي قائلا ¢إن علينا كعالم متحضر أن نتحلي بالاحترام والتقدير المتبادل لمقدساتنا وقيمنا وأنه لا ينبغي أن يؤخذ الإسلام السمح بحفنة من المجرمين القتلة. وفيما يلي نص كلمة الرئيس السيسي: ¢بسم الله الرحمن الرحيم.. اسمحوا لي في البداية قبل أن أبدأ الكلمة أن أشكركم أنكم سمحتم لي أن أكون موجودا معكم في هذا المنتدي وأوجه لكم التحية والتقدير والشكر علي ذلك. بروفيسور كلاوس شواب.. أصحاب السمو والمعالي.. السيدات والسادة.. أود في البداية أن أعرب عن شكري للبروفيسور شواب لما تمثله دعوته لي للحديث إليكم من تقدير لمصر والمصريين كما أعرب عن اعتزازي لانتمائي إلي بلد ساهم عبر التاريخ في بناء الحضارة الإنسانية ولا يزال يواصل العطاء للبشرية بفضل ما منحه الخالق من هبات في مقدمتها شعب مصر الذي لا تزيده المصاعب إلا عزما وتصميما علي اجتيازها ولا تمنعه التحديات الجسيمة عن خوض غمارها والخروج منها مكللا بالنصر ومتواضعا في فخر. ¢السيدات والسادة.. إن الصعاب والتحديات التي أشير إليها ليست مجازية أو من قبيل المبالغة ولكنها حاضرة وضاغطة علي كاهل الشعب المصري الذي يواجهها بكل شجاعة بل أزيد أنها لم ولن تمنعه يوما من أن يطمح في ذات الوقت إلي مستقبل أفضل لذاته ولأمته العربية وللعالم ككل فالتاريخ القريب يشهد قدرة وحكمة ووعي شعب مصر الذي أزال حكم الفرد عندما تجاوز الشرعية ولم يتردد في نزع الشرعية ذاتها عمن أرادوا أن يستأثروا بها وأن يسخروها لتطويع الهوية المصرية والانحراف بها عن سماتها التاريخية من تنوع وإبداع وانفتاح علي العالم. ولابد لي هنا من الإشارة إلي ضرورة التعويل علي وعي الشعوب والإنصات إلي صوتها فتلك الملايين التي فاجأت العالم في ميادين فرنسا بالأمس القريب إنما هي امتداد للملايين التي فاضت بها ساحات مصر منذ عام ونصف تقريبا إن المعركة واحدة ونفس الارهاب يحاربنا لفرض رؤيته لأنه يري فينا جميعا نقيضه دون تفرقة علي أساس العرق أو الديانة فالدماء التي يريقها الارهاب في مصر والعراق وسوريا وليبيا وفي نيجيريا ومالي وكندا وفرنسا ولبنان كلها نفس اللون ومن ثم فلابد وأن تتضافر جهودنا جميعا للقضاء علي تلك الآفة أينما وجدت من خلال التعامل الشامل مع كافة مكوناتها ولو اختلفت مسمياتها وأن نتصدي لها بالتعامل الواعي مع الاعتبارات السياسية التي أفردت لها مساحة للنفاذ إلي مجتمعاتنا بالاضافة إلي تعاوننا فكريا وثقافيا وامنيا فضلا عن تكثيف تبادل المعلومات بيننا وحرمان المنظمات الارهابية من استغلال أدوات التواصل الاجتماعي وشبكة المعلومات لنشر دعوات الكراهية والاستقطاب لبعض بدعاوي دينية مغلوطة تستغل حسن نوايا وبعض العناصر المحبطة. ¢وإذ أؤكد وبكل حسم علي أنه لا ينبغي أن يؤخذ الإسلام السمح بقيمه السامية وأكثر من مليار مسلم بحفنة من المجرمين القتلة فإنه يتعين علينا أيضا كمسلمين أن نصلح من أنفسنا وأن نراجع ذاتنا لكي لا نسمح لقلة بتشويه تاريخنا وبالإساءة إلي حاضرنا وتهديد مستقبلنا بناء علي فهم خاطيء وانطلاقا من تفسير قاصر¢ ¢كما إن علينا كعالم متحضر وبنفس قدر تطابق رؤية شعوبنا لمصلحتها في القضاء علي ما يمثله الارهاب من تهديد أن نتحلي بالاحترام والتقدير المتبادل لتنوع معتقداتنا ومقدساتنا وأن نترفع عن الانزلاق نحو التشاحن والايذاء الذي يستغله المغرضون للترويج لاهدافهم الشريرة وللايحاء بوجود فجوة وصراع حتمي فيما بيننا¢. ¢السيدات والسادة.. لا تقتصر المصاعب والتحديات التي نواجهها في مصر علي الارهاب ولن تثنينا معركتنا معه عن تحقيق طموحاتنا الاساسية التي ثار من أجلها المصريون فبناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة سوف يستمر وبعد إنجاز الدستور وإقراره ثم إجراء الانتخابات الرئاسية سيستكمل الشعب المصري مراحل خريطة المستقبل باختيار ممثليه في مجلس النواب والذي نتطلع جميعا إلي دوره المنتظر في وضع تشريعات وقوانين تترجم العقد الاجتماعي الذي تضمنه الدستور بما يضمن حصول الافراد علي حقوقهم وادائهم لواجباتهم ويوازن بين احترام حرياتهم وبين المسئولية التي يتحملونها في ظل سيادة القانون وتساوي الجميع أمامه بغض النظر عن الجنس أو العقيدة¢ ¢ كما نتطلع أيضا الي ممارسة نواب الشعب المصري لدورهم في الرقابة والتشريع علي اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية التي يعبر تباين الافكار فيما بينها عن التنافس من اجل الوطن وليس الاختلاف علي الوطن كما يتواكب مع كل ذلك عمل جاد ومتواصل لاستيفاء متطلبات ثورتي مصر في إطار رؤية تنموية شاملة للتحديث الاقتصادي والاجتماعي تهدف الي الانطلاق نحو آفاق رحبة تؤمن حصول المصريين علي حقوقهم في العمل وفي الحياة الكريمة من خلال استخدام الامكانيات الهائلة للاقتصاد المصري لثرواته المتعددة وعلي رأسها الثروة البشرية وطاقات شبابه الذين يمثلون ما يقرب من ثلثي عدد السكان ويتطلب تنفيذ تلك الرؤية دعم دور القطاع الخاص وتشجيع وجذب الاستثمار وتذليل العقبات حتي ينهض القطاع الخاص بدوره كقاطرة للتنمية في سياق من المسئولية الاجتماعية مع قيام الدولة ومؤسساتها بضبط المناخ وتهيئة للتنمية الشاملة والمستدامة وأداء مهامها التنظيمية والرقابية علي مستوي السياسات والتشريعات مع تعزيز فرص المشاركة بين القطاعين العام والخاص في المشروعات التنموية وضمان الحماية للفئات الأكثر احتياجا¢. السيدات والسادة.. لقد انطلقت جهودنا لتحقيق تلك الرؤية من تعديد الثقة في الأداء الاقتصادي المصري وفي قدرة الحكومة والتزامها بتطبيق سياسات وبرمج تهدف إلي تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة واستمرارها في التصدي للمشاكل الهيكلية التي طالما عاني منها الاقتصاد والجهود التي ترتكز علي المحاور الرئيسية الآتية¢: * المحور الاول تحقيق سياسة مالية رشيدة من خلال اتخاذ خطوات جريئة لخفض الدعم المقدم لقطاع الطاقة تدريجيا لحماية محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجا وتحسين أداء النظام الضريبي وخفض نسبة عجز الموازنة والدين العام إلي اجمالي الناتج المحلي وبالتوازي مع ذلك يتم اتباع سياسة نقدية تلتزم بتخفيض معدلات التضخم. * المحور الثاني معاجلة كافة العقبات التي طالما أعاقت استثمارات القطاع الخاص وتسوية النزاعات القائمة بين الدولة والمستثمرين المحليين والأجانب فضلا عن طرح قوانين تضمن فرصا متكافئة لجميع المستثمرين وتعزز الشفافية والعدالة وتطبيق القانون لاسيما فيما يتعلق بالمنافسة والتمويل الصغير وإعداد قانون الاستثمار الموحد وتبسيط الإجراءات من خلال تطبيق نظام الشباك الواحد وهي عملية مستمرة تهدف لإرساء بيئة استثمارية جاذبة ومتميزة تسهم في التنمية الشاملة للارتقاء بمعدل النمو إلي 7 % وخفض معدل البطالة إلي 10% بحلول عام 2020 * المحور الثالث التعامل مع الأثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية الناتجة عن سياسات الاصلاح الاقتصادي من خلال العمل علي تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والعدالة الاجتماعية ولتحقيق ذلك نسعي لتوفير المزيد من فرص العمل باعتبارها حقا لا ينبغي التغاضي عنه من خلال التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع توجيه اهتمام خاص للشباب والمرأة وزيادة المخصصات المالية لقطاعي الصحة والتعليم والبحث العلمي لتصل إلي 10% من الناتج المحلي. * المحور الرابع تحسين وتطوير البنية الاساسية في قطاعات النقل والمواصلات من خلال توفير المزيد من المخصصات للاستثمار في هذه المجالات علي أن يتم تمويل شق منها عن طريق الموازنة العامة للدولة وشق آخر من خلال التعاون مع شركاء التنمية وحث الصناديق السيادية علي الاستثمار فيها بالاضافة إلي تطوير آليات المشاركة بين القطاعين العام والخاص لتخفيف عبء تمويل مشروعات البنية الاساسية وتحقيق المشاركة المجتمعية في بناء مصر المستقبل. * المحور الخامس تحقيق الاصلاح المؤسسي من خلال تعديل القوانين المنظمة للعلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص وقوانين مكافحة الفساد وإعادة هيكلة نظام المعاشات¢. السيدات والسادة.. علي المستوي العملي لابد من التطرق إلي المشروعات القومية الطموحة التي توفر فرصا واعدة للمستثمرين ومن امثلتها مشروع ازدواج المجري الملاحي لقناة السويس ولاسيما مرحلته الثانية التي تقوم علي تطوير محور القناة وفتح باب الاستثمارات للخدمات اللوجستية والصناعية علي محور القناة والتي تنطوي علي إمكانات عديدة للقطاع الخاص للاستثمار والاستفادة من موقع مصر الاستراتيجي كنقطة ارتكاز بين أفريقيا واوروبا وآسيا فضلا عن ذلك فقد بدأت المرحلة الأولي من مشروع استصلاح نحو مليون فدان وتجهيزها للزراعة وصدر قانون الثروة المعدنية الذي بث روحا جديدة في قطاع التعدين عزز منه التقدم الملموس في سداد متأخرات الشركاء الأجانب صاحب ذلك كله تعديل أسعار الوقود مما يحفز عمليات البحث والتنقيب عن الغاز والبترول الأمر الذي بدا جليا في إعلان شركات كبري عن خطط تهدف إلي الاستثمار بقطاع الغاز والنفط رغم الهبوط الحاد الذي تشهده أسعار النفط في الأسواق العالمية.. ولا يخفي عليكم أن التنوع الذي يميز الاقتصاد المصري يضمن التفاعل المثمر مع تطلعات كافة المستثمرين علي مستوي المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة علي السواء وفي مختلف القطاعات كالزراعة والصناعة والخدمات¢. ومن هنا. يسعدني أن أوجه الدعوة إلي جميع الشركاء الباحثين علي فرص جدية للاستثمار للمشاركة في مؤتمر "دعم وتنمية الاقتصاد المصري. مصر المستقبل" في الفترة من 13 15 مارس القادم بشرم الشيخ. وذلك للتعرف علي المشروعات المتاحة والمزايا التي توفرها بيئة الاستثمار في مصر. فضلاً عن فرص التعاون للاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا لتحديث قطاعات مثل الغزل والمنسوجات والصناعات الهندسية والإنشاءات ومواد البناء. السيدات والسادة تؤكد مصر علي حرصها علي الانفتاح علي العالم. والمساهمة في إيجاد حلول للتحديات المشتركة التي تواجهنا جميعا. كما تحرص علي تنفيذ التزاماتها التعاقدية والاتفاقيات التي انضمت إليها. والاستمرار في التعاون المثمر وتوسيع قاعدة علاقاتها الاقتصادية مع جميع الشركاء الدوليين. إن هذا الحرص ينبع من إدراك حقيقي بأنه لا يمكن لأي طرف أن يحقق أهدافه الوطنية في عزلة عن العالم. إنما في المقابل. علي العالم بدوره التكاتف لتهيئة الظروف المناسبة التي تكفل لكل الأطراف الاستفادة الحقيقية من الاندماج في الاقتصاد العالمي. فلا شك أن الحوار في عالم اليوم حول سبل تحقيق التنمية المستدامة. خاصة ونحن بصدد تقييم استحقاق الأهداف الإنمائية للألفية. وصياغة أهداف جديدة للتنمية لما بعد 2015. وكذلك وضع أسس جديدة لمواجهة تحديات تغير المناخ. لابد أن يتطرق إلي المعطيات الدولية التي تعمل في إطارها فرغم أن العولمة قد حققت مكاسب للكثيرين. إلا أنها تثير أيضا مشاغل عديدة جراء تأثيراتها علي النسبة الكبري من سكان العالم الذين لا يتمتعون بحماية اجتماعية. وخاصة في القارة الإفريقية. فضلاً عن الفجوة الكبيرة والمتزايدة. من الدول المتقدمة والدول النامية. خاصة فيما يتعلق بزيادة معدلات الفقر والفجوة التكنولوجية. بالاضافة إلي ارتفاع معدلات البطالة في الدول النامية. في ذات الوقت. فإن مصر الجديدة علي وعي كامل بأنه يقدر حاجتها للانفتاح علي العالم لتحقيق طموحات شعبها. فإنها تعي أيضا حاجة محيطها المباشر الغربي والإفريقي والأوسع دولياً إلي إسهامها لتدعيم الاستقرار وإلي التعامل مع التحديات التي تواجهنا جميعا. إذ طالما كان دور مصر إيجابياً. قائماً علي مبادئ راسخة. تتمثل في ميثاق الأممالمتحدة والقانون والشرعية الدولية. ولسوف تظل مصر ساعية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي علي أساس حل الدولتين. الذي يكفل حصول الشعب الفلسطيني علي حقوقه المشروعة. بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. باعتباره السبيل الوحيد لكي تحيا كل شعوب المنطقة بما فيها الشعب الإسرائيلي في أمن وسلام. كما سنواصل السعي لحماية شعوب سوريا وليبيا والعراق واليمن من الدمار. واستمرار إرهاق أرواح الأبرياء. من خلال حلول سياسية تضمن سلامة ووحدة أراضي تلك الدول. وتحتم إرادة شعوبها العريقة. والتي تشكل مكوناً لا غني عنه في منظومة الأمن القومي العربي التي تمثل حلقة هامة في تحقيق الاستقرار والسلام في العالم. كما تستمر في الإسهام بكل قوة في قضايا القارة الإفريقية وتعمل علي إطلاق قدراتها التنموية انطلاقاً من وحدة الانتماء والمصير. السيدات والسادة كانت تلك هي ملامح السبيل الذي تنتهجه مصر بالعمل الدءوب وبالفكر المستنير. تقودنا إرادة ثابتة ورغبة صادقة وإيمان حقيقي. تنبع كلها من إدراكنا للمسئولية التاريخية التي نحملها ولموقعنا الفريد ولدورنا الرائد في إقليمنا وفي ما وراءه. ومن وعينا بضرورة التعاون الدولي مع تعدد التحديات وتشابكها. في ظل انكماش أطراف عالمنا وتقاربها كلما ازداد رصيده من المعرفة والإبداع العلمي. وستمضي علي ذلك السبيل من أجل التغلب علي الصعاب والارتقاء إلي مستوي التحديات التي تواجهها. ولترسيخ الثقة في قوة اقتصادنا وسلامة السياسات الحاكمة له. ولتحقيق الاستدامة والإنتاجية. بما يكفل عوائد متميزة للتنمية. يتجاوب مع تطلعات المصريين. وتفي بحقهم الأصيل في حياة كريمة ومنتجة. وإنني علي يقين من أن جسور الثقة التي سوف نشيدها سوياً ستسهم في تحقيق آمالنا في حاضر أفضل ومستقبل أكثر رخاء وازدهاراً لمصر ولكم جميعاً.