اتصلت إحدي تلامذتي وهي في حالة هلع تسألني: هل هذا الخبر الذي سمعته صحيح؟!.. وعندما اجبتها بنعم قالت بصوت مليئ بالحزن: "كأنه كان يعلم أن نهايته قريبة.. في آخر مرة رأيناه قبل يومين كان بشوشا كعادته. ولكنه كان علي عجلة من أمره. فسألناه أنت "مروح" فأجاب كلنا "مروحين" ولكني مستعجل شوية.. آآآآآآآآآآه.. كان حاسس أنه في الساعات الأخيرة من عمره.. كان يقصد أن جميع البشر سيموتون. وأنه سيموت قريباً.. رحمك الله يافهد" صدمة هذه الفتاة زميلة فهد العياط في القسم الخارجي بالجمهورية - يرحمه الله - اصابتنا جميعا عندما علمنا بوفاته. وبالفعل كان يشعر بقرب الرحيل عن دنيانا فقد كتب علي صفحته بالفيس بوك: "قد تنهي الحياة في لحظة. فاذكرونا وادعو لنا بالرحمة. ربي توفني مسلما والحقني بالصالحين". وقد حرصت علي الكتابة عنه بعد مرور حوالي 60 يوما علي وفاته حتي تكون عاصفة الحزن قد هدأت. وتملكت بعض من مشاعري التي جزعت. لكي لا تكون كلماتي مجرد رثاء عاطفي انفعالي عابر. بل تكون معبرة بصدق عن القيمة الحقيقية لفهد العياط. ثم استحضر في رثائه القيم الإنسانية التي فقدناها بوفاته. فقد لقي فهد ربه وهو صائم في الأيام المباركة من شهر ذي الحجة وأثناء قيامه بأداء واجب المشاركة في تشييع والدة زميلنا محمد الصايم.. فقد أصر علي أداء هذا الواجب الشاق بمفرده نيابة عن كل العاملين بدار التحرير للطبع والنشر. فقد انصاع الجميع لرغبة الصايم بعدم السفر معه. واستصعبوا طول السفر ومشقته إلا هو.. وهنا نستخلص أول قيمة حرص عليها العياط يرحمه الله وهي "أداء الواجب" فكم من الواجبات تجاه الزملاء والأهل والأصدقاء والجيران تفوتنا بسبب التكاسل أو المشاغل.. واستسهل غالبتنا الاعتذار. وإبداء الأسباب الواهية لتبرير تخاذلنا في أداء واجباتنا. حتي فقد الاعتذار قيمته. أما القيمة الأخري الهامة التي كان يلتزم بها العياط فهي المبادرة بالعطاء وعن طيب خاطر.. وقد أجمع كل من تعامل معه داخل أسرته وعائلته وقريته وزملائه في الجامعة وزملائه في العمل بمصر والإمارات وجيرانه ويشهدون بذلك. وعطائه - يرحمه الله - كان ملحوظاً لأنها فضيلة تخلي غالبية الناس عنها في زماننا. فجميعنا. الا من رحم ربي. يبحث عما يأخذه فقط بينما يهرب عندما يتطلب الأمر العطاء.. والأدهي والأمر أن غالبية من يأخذون لا يفكرون ولو للحظة إذا كان حلالا أو حراماً. مشروعاً أو سفاحاً.. فالمهم لديهم "التكويش" و"الهبر" حتي دون مراعاة لحقوق الأخرين. ودون رادع ديني أو اخلاقي. أما قيمة القناعة وهي "الكنز الذي لا يفني "فكانت تجسدها بصدق في تصرفات أخي وصديقي الراحل فهد العياط.. فقد كان يعمل بجد وفي صمت لا تحركه تطلعات لمنصب. ولا ينتظر مقابل ولا حتي ثناء من أحد.. لا ينشغل بما يأخذ غيره. فهو راض ومطمئن لأنه يؤمن بأن "ما كان له لن يخطئه" وأن دوره يقف عند السعي والاخلاص في العمل. وهذا سر حب زملائه ورؤسائه الخالص له. سألته ذات مره لما عدت سريعاً من الإمارات فأنت لم تجلس سوي 6 سنوات فقط؟!.. فأجاب حامداً ربه بأنه ترك عمله كمسئول إعلامي في وزارة الصحة الإماراتية براتب شهري يتطلع إليه كثيرون عن قناعة ليتزوج ويبدأ حياته. رغم أن الوزير وكل العاملين بها كانوا يريدون له الاستمرار معهم.. فالرضا والقناعة فضيلة لا يتحلي بها في زماننا سوي القلائل ندعو الله ان يجعلنا منهم. وفضائل أخري كثيرة تحلي بها العياط تعجز المساحة عن ذكرها. لذا لم يكن مستغربا سحابة الحزن الحقيقي التي غطت علي كل مبني دار الجمهورية للصحافة. وامتدت الاحزان إلي اصدقائه في دبي وشاءت الاقدار ان يقام عزاؤه بالنادي المصري هناك في نفس يوم العزاء الذي أقيم له بجامع عمر مكرم بالقاهرة.