اليوم شم النسيم.. إجازة مستحقة للجميع.. بل وعيد ربيع وورد لكل البشر في كل أنحاء الدنيا.. ولهذا اليوم ذكري عندي لا تنسي.. كنت أيامها طالبا في الجامعة. كانت نقابة الصحفيين قد أنشئت منذ عام ونصف العام.. وفي اجتماع لمجلس النقابة قال أحدهم لا أذكره الآن.. قال ان الفئة الوحيدة التي لا تعرف إجازة لا شم نسيم ولا عيد ولا أي مناسبة هي فئة الصحفيين.. فالجريدة يجب أن تصدر كل يوم.. وكان أيامها عدد الصحفيين قليل جدا.. لم تكن الصحف مثل الآن قد تحولت إلي قطاع عام ومال الحكومة السايب.. لذا كان لابد لهذا العدد المحدود من الصحفيين ان يعملوا كلهم يوميا بلا إجازات.. كانت أكبر صحيفة لا يزيد عدد العاملين بها علي عدد العاملين الآن في قسم واحد!! فكر مجلس النقابة في أن تحتجب كل الصحف يوما واحدا في العام هو يوم الثلاثاء التالي ليوم شم النسيم.. فليتفرغ هؤلاء الصحفيون الغلابة في هذا اليوم المشرق الجميل لأسرهم وأولادهم!! يوم في السنة!!. *** كان أحد أعضاء مجلس النقابة المرحوم محمد خالد بك والد وسيم خالد الذي ساهم مع حسين توفيق وأنور السادات في قتل أمين عثمان صديق الانجليز!!. كان المرحوم محمد بك خالد صاحب ورئيس تحرير جريدة الدستور وكان من أثرياء مصر.. له عزبة رائعة علي شط بحيرة قارون في الفيوم.. لذا أعلن يومها بأن عددا من الأتوبيسات ستقف أمام مبني النقابة منذ صلاة الفجر لتقل "كل" أعضاء النقابة كان العدد بالمئات أيامها لقضاء يوم شم النسيم عنده في عزبته.. وقد كان.. بدأ بالافطار الذي كنت تشم رائحة الطعمية من علي بعد مع الفطير وكل ما ينتجه الريف من عسل وقشدة وغيرها.. ثم الأرض الخضراء الواسعة الشاسعة علي شط البحيرة رأسا ولا ملعب كرة.. أكبر من الملعب فعلا.. مليئة بالكراسي والكنبات والموائد وكل أنواع التسلية من كوتشينة وطاولة ودومنو والشطرنج بأعداد كبيرة.. الكل منتشر هنا وهناك يقضون أسعد ساعات مع أكثر من فلاحة تعمل كل المشروبات من شاي وقهوة حتي الشيشة موجودة.. بل فيللا الضيوف المستقلة عن فيللا صاحب العزبة فيللا الضيوف جاهزة بالجلاليب والبيجامات لمن يريد أن يستريح بعض الوقت.. حتي موعد الغداء المتأخر لإعطاء فرصة لهضم الافطار الثقيل.. تمتد الموائد مرة أخري وعليها عدة خراف مشوية محشوة بالأرز والفريق!! ومأكولات أخري!! يوم ولا كل يوم.. يوم عيد بحق.. بكرم عربي نادر.. الكرم "الحاتمي" إياه. *** وفي أول اجتماع لمجلس النقابة بعد شم النسيم.. قرروا أن لا يحرموا الناس من كل الصحف مرة واحدة.. فقد حدث "فراغ" مفاجيء لوجدان الناس.. وفي نفس الوقت ذاق الصحفيون حلاوة الإجازة.. لذا تقرر أن تختار كل صحيفة يوما تحتجب فيه!!. استمر هذا التقليد إلي أن تمرد عليه المرحوم علي أمين وهاجم بشدة "مجرد إجازة للصحفي"!!! صاحب رادار يلتقط به الأخبار و الأفكار وينقلها بسرعة للقاريء.. وأعلن مبدأه الخالد "الناس تأكل العيش البايت ولكن لا تقرأ سوي الأخبار الطازجة"!! وقد كان اختفي هذا التقليد.. وكل عام وأنتم بخير!!