احتجبت كل صحف المعارضة يوم الثلاثاء الماضي.. واحتجاب الصحف كلها في يوم واحد له قصة قديمة. في بداية انشاء نقابة الصحفيين في أول الأربعينيات كان عدد الصحفيين في أي جريدة لا يزيد علي عشرين محررا أو أقل.. لذا كان الكل يعمل كل يوم بلا إجازة قط. في ثاني أو ثالث جمعية عمومية.. وكان يوم شم النسيم قد اقترب.. أقترح أحد أعضاء مجلس الإدارة ان يأخذ الصحفيون في كل دور الصحف إجازة في هذا اليوم مثل باقي البشر!! .. لنا زوجات وأولاد من حقهم علينا أن يشموا النسيم ويشعروا بآدميتهم.. صفق الجميع.. وموافقة اجماعية من الجمعية العمومية ان تحتجب الصحف كلها في اليوم التالي ليوم شم النسيم.. وقد كان. كان صاحب جريدة اسمها الدستور المعبرة عن حزب الأحرار الدستوريين اسمه محمد بك خالد والد وسيم خالد الذي اشترك مع أنور السادات في قتل أمين عثمان صديق الانجليز.. ومحمد بك خالد كان يملك عزبة رائعة في الفيوم علي شاطئ بحيرة قارون مباشرة.. لذا أعلن أن أوتوبيسين كبيرين سيكونان أمام نقابة الصحفيين مع أذان الفجر.. وسيتحركان الي العزبة بعد ثلاثة أرباع ساعة بعد الأذان.. ومرحبا بكل الاخوة الصحفيين مع عائلاتهم.. كان عدد الصحفيين أيامها لا يزيد عن كذا مائة صحفي فقط.. ثم كبار الصحفيين عادة يقضون يوم شم النسيم في نادي الجزيرة أيام كان نادي الجزيرة بحق!! قضي الصحفيون أجمل يوم في حياتهم في عزبة خالد بك كانوا يشمون رائحة الطعمية عندما اقتربوا من العزبة.. إفطار رائع فلاحي بالفطير والقشدة والعسل والفول بأنواعه.. و.. و.. وذبح خروفا مع عدد كبير من الديوك الرومي.. كل نساء القرية عملن في المطبخ.. مع تقديم كل أنواع المشروبات. بل أكثر من هذا.. كانت هناك استراحة للضيوف بجوار الفيللا.. كانت مهيأة لمن يريد أن ينام ساعة مثلا.. مع جلاليب كثيرة لمن يريد أن يتحرر من البدلة أو حتي البنطلون والقميص!!! دون نوم!! كان يوما رائعا في حديقة شاسعة علي شط البحيرة مباشرة.. وأصبحت عادة سنوية!! *** ثم بدأ طمع الصحفيين في المزيد من الإجازات.. ظهرت فكرة ان تحتجب كل صحيفة يوما في الأسبوع لتظهر باقي الصحف من أجل البلد والقراء.. علي أن تختار كل صحيفة يوما ما في الأسبوع تحتجب فيه بالتوافق مع بعض. *** وقد كان.. ثم صدرت جريدة "أخبار اليوم" الأسبوعية في الأربعينيات قبل جريدة "الأخبار" اليومية بسنوات. هاجم علي أمين بشدة فكرة احتجاب الصحيفة يوما في الأسبوع.. وقال عبارته المشهورة.. الناس تأكل العيش "البايت" ولكنها لا تقرأ سوي الخبر "الطازج"!!!.. وفي مقال آخر قال عبارة مشهورة أخري.. قال ان الجريدة مثل السيجارة.. لا غني عنها طوال اليوم وكل يوم.. والسجائر أنواع.. والمدخن الحقيقي لا يغير سيجارته!!.. في نفس الوقت كثر عدد الصحفيين وتبادلوا الإجازات.. فتم إلغاء إجازات الصحف.