حين بدأت العمل بالصحافة قبل أكثر من عشرين عاما قال لي أحد أساتذتي مقولة لن أنساها أبدا: «الصحافة مثل أقسام الشرطة لا تأخذ إجازة أبدًا».. وأضاف في صيغة التساؤل: هل رأيت قسم شرطة مغلقاً بسبب الإجازة؟! عبارة جميلة ومهمة تشعر صحفيا شابًا في مقتبل حياته بأهمية وقداسة العمل الذي يقوم به، وظللت لفترة طويلة أعتقد أن صدور الصحف في الإجازات مهمة قومية مثل أقسام الشرطة لا يجوز إغلاقها أو تعطيلها أو إغلاق أبوابها، وفي بداية التسعينيات عملت في صحيفة القبس الكويتية، حيث كانت الصحيفة لا تصدر ثاني وثالث أيام العيد، واعتبرت ذلك نوعا من الرفاهية الكويتية. وحين التحقت بالطبعة الدولية بالأهرام اكتشفت أيضا أن صحيفة الأهرام لا تطبع في أوروبا في بداية العام واحتفالات الميلاد عند المسيحيين الغربيين، وهذا ليس تفضلا من الأهرام وإنما لأن الأوروبيين والغربيين عموما لا يعملون في الإجازات بما في ذلك الصحف التي تتوقف عن الصدور. في مصر لا يزال الصحفيون يؤمنون بأن الصدور في أيام الإجازات مهمة قومية، وهو أمر ليس حقيقيا بالمرة، بل إن العاملين في الصحف يعلمون جيدا أن التوزيع يتراجع بشكل لافت في الأعياد والإجازات الرسمية لأن معظم القراء يفضلون التوقف عن قراءة الصحف والاستمتاع بالإجازات. وحين أكتب هذه الكلمات يكون معظم المصريين في الحدائق والمتنزهات وعلي الشواطئ، بينما مطلوب مني الجلوس في مكتبي والعمل في صحيفتي وكتابة هذا المقال، كما أفعل يوميا لكن السؤال هل سيقرأه أحد؟ أنا شخصيا أعتقد أن الناس لا تقرأ ولا حتي تشاهد التليفزيونات في الإجازات وخاصة المرتبطة بأعياد ومناسبات، لأنهم في هذه الحالة لديهم طقوس أخري يحرصون عليها سنويا، ففي شم النسيم مثلا حين تجلس الأسرة لمائدة الفسيخ والسردين والملوحة أو الرنجة، وبعد تناول البصل هل سيكون لدي أي شخص قدرة علي عمل أي شيء غير التمدد في فراشه ومحاولة التخلص من حالة الوخم التي تسيطر عليه بعد أكلة الأسماك المملحة والمفسخة! شم نسيم سعيدا، من حقكم الإجازة والتمتع بالهواء والخروج والتنزه وأكل الفسيخ، وخلافه، بينما نحن في مكاتبنا نعمل ونكتب ونصدر الصحف، باعتبارها مهمة قومية.. فالصحافة مثل أقسام الشرطة لا تغلق أبوابها أبدا.. حتي لو لم يقرأها أحد.. المهم النوايا الطيبة والشعارات الكبيرة والضخمة حتي لو لم تعن أي شيء في الواقع.