بعد ثورة 30 يونيو سارعت الدول العربية الكبري السعودية والإمارات والكويت لتقديم منحة عربية خلصي ب 8.8 مليار جنيه علي هيئة ودائع بالبنك المركزي ومواد بترولية وتنمية عشوائيات وبناء مدارس وإنشاء صوامع واستطاعت مصر من خلالها أن تزيد الاحتياطي في البنك المركزي إلي 18 مليار دولار وتسد الفجوة التمويلية الأمر الذي نطرح معه هذا التساؤل المشروع وهو هل استطاعت الحكومة المصرية أن تستفيد من هذه المنح العربية الداعمة لمصر اقتصاديا وسياسيا بعد 5 شهور علي ثورة 30 يونيو ونتساءل هل نجحت الحكومة في ان تضع يدها علي نقطة انطلاقة للاقتصاد المصري عن طريق مشروعات استثمارية وقومية تحقق العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي والاقتصادي. حاورنا عدد كبير من خبراء الاقتصاد والادارة والتمويل وسفراء سابقين ليقيموا اللحظة الراهنة بطريقة علمية تأخذ مصر إلي الأمام في سطور هذا التحقيق: يري الدكتور عبدالخالق فاروق ان هذه المساعدات العربية هي مشاركة ومساهمة يمكن أن تحل مشاكل جزئية ومؤقتة لكنها لا تعتبر حلول ناجحة لدول تريد زيادة الاستثمارات وتقليل حجم البطالة التي تعانيها فهي وفق رؤيته مسكنات لا تدوم في دفع عجلة الاقتصاد للأمام إلا وفق سياسات واضحة لإعادة هيكلة مواردنا الضخمة وما لم نملك رؤية استراتيجية للاستفادة من مواردنا الاقتصادية سوف يظل الاقتصاد المصري في موقف حرج فالمساعدات لها نطاق وحدود تحتاج من الدولة الاهتمام معها بالأصول الانتاجية. ويفسر الخبير الاقتصادي رؤيته بخطأ الحكومة عندما قامت بتحويل 8.8 مليار دولار من أموال المنح العربية والمودعة بالبنك المركزي لسد الفجوة التمويلية التي تعاني منها الموازنة العامة في مقابل طبع 60 مليار جنيه لتلبية الاحتياجات الضرورية مشبها ما يحدث الآن بوضع الأموال في بالوعة البنية الاساسية التي امتصت ما يقرب من 842 مليار جنيه من بداية حكم مبارك حتي الآن. وينتقد د.عبدالخالق اداء الحكومة والذي يعكس مدي عدم ادراكها لعمق الأزمة الاقتصادية التي نعانيها منذ 3 سنوات فهم يتحدثون عن تنشيط الاقتصاد المصري عن طريق وضع برنامج ب 22 مليار جنيه يخصص منها 7 مليارات لدفع الاستحقاقات المتأخرة للمقاولين والباقي لاستكمال مشروعات البنية الاساسية فاستمرار سياسة رصف الطرق والأرصفة ضاربا المجتمع ككل ويهدر هذه الأموال. وعن الطريق الاصوب الذي يجب أن تنتهجه الحكومة قال د.عبدالخالق فاروق ان الحل يكمن في ضخ هذه الأموال في استثمارات حقيقية للأصول الانتاجية لشركات قطاع الأعمال وقطاع الإنتاج السلعي في الكهرباء والزراعة وفي الصوامع والغلال والمشروعات الصناعية الإنتاجية التي تستوعب حجم البطالة الكبير ويضيف من الحكمة ايضا البحث عن مواردنا الداخلية المهدرة ففي دراسة اعددتها منذ 5 سنوات كشفت لي ان المصريين انفقوا علي شراء القصور والفيلات حوالي 410 مليارات جنيه منذ عام 1981 وهو ما يؤكد وجود قدرات مادية وبشرية لدينا يجب استيعابها والاستفادة منه عن طريق حزم استثمارية مخطط لها جيدا. وعلي العكس تماما يري الدكتور حمدي عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية ان الحكومة نجحت في استثمار أموال ومنح المساعدات العربية في علاج المشكلات الطارئة من نقص المواد البترولية وانقطاع الكهرباء المستمر بضخ 3 مليارات في هذا الاتجاه من أصل 9 مليارات دولار تم ايداعها بالبنك المركزي وان زيادة احتياطي البنك المركزي استطعنا من خلاله ان نرد أموال الوديعة القطرية بشروطها المجحفة واتخذ البنك المركزي سياسات خفض من خلالها الدولار أمام الجنيه المصري والذي كان يباع في السوق السوداء ب 5.7 جنيه. واثني د.حمدي علي الخطة التحفيزية الأولي للحكومة المصرية والتي شملت 29 مليار جنيه لإنشاء صوامع للغلال وتطوير البنية الاساسية التي هي جزء رئيسي جاذب للاستثمار وانشاء 100 مدرسة جديدة بتكلفة 400 مليون جنيه و5.2 مليار جنيه لتطوير العشوائيات وتمويل الحد الادني للأجور وعودة المصانع المتعثرة والتي وصل عددها 600 مصنع وهو ما يعتبرها استاذ الاقتصاد انجازات هامة ولكن ليست كافية ويكفي ان لدينا 4 آلاف وخمسمائة مصنع متعثر تحتاج المساعدة مع رصد مبالغ أكبر للمناطق العشوائية. ويضيف د.حمدي ان هناك مبالغ مالية اضافية تقدر ب 2.2 مليار جنيه لمحور قناة السويس والضبعة وتنفذه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهي أمور تنموية لكن ما يعيبها ان اثارها في الاجل الطويل ويظل الاستثمار رهينة لتحسين الوضع الأمني لأن توقف المظاهرات واعمال العنف يعطي مناخا جاذبا للاستثمار. ويطالب استاذ الاقتصاد تركيز الدولة من أموال المساعدات علي انشطة يومية مثل المشاريع الانتاجية واستصلاح أراضي زراعية وتوفير الأمن الغذائي حتي نستطيع ان نكتفي ذاتيا فنحن نستورد 70% من الموازنة من الخارج ونستطيع ان نحل مشكلة البطالة ونوفر فرص عمل وان تساهم الدولة بالتوازي في إنشاء مشروعات صغيرة وعودة المصانع المتعثرة وان تعطي الائمين عليها مساعدات من المنح العربية بدون فوائد ويضرب امثلة علي ذلك بالمشاريع عالية الكثافة العمالية وذات الطابع الانتاجي كالزراعة والتصنيع الزراعي ومشاريع الاكتفاء الذاتي ومشاريع الخدمة الملاحية ومشاريع المؤسسات التعليمية والصحية والسياحة النوعية. الفجوة التمويلية الدكتور عمرو صالح استاذ الاقتصاد السياسي بجامعة عين شمس رؤيته حول المساعدات العربية بعد مرور 5 أشهر من منحها في انه لا تساعد الدولة في تحقيق تقدمها لأنها تسد حاجة وقتية فقط ولا نستطيع أن ننعش من خلالها الاستثمار من خلال مواردنا وهو لب التقدم الاقتصادي في الدولة بالاضافة إلي وجود اختلالات هيكلية في توليفة القوانين والتشريعات التي تشجع المستثمر العربي والأجنبي للوجود في مصر والدخول في اسواقها لذلك فأنا علي قناعة ان المنح تسد عجزا ولكن لا تنهض بالدولة اقتصادي..ويكرر الدكتور عمرو ان منهج الدين لا يساعد علي بناء دولة أو نمو اقتصاد مستدام وان قضية الحصول علي مساعدات في شكل ديون أو عودة الأموال الهاربة استخدمت في كل حكومات ما بعد ثورة 25 يناير كحصان طروادة لأغراض سياسية أكثر منها اقتصادية أو اجتماعية. ويضيف الدكتور عمرو صالح الذي شغل منصب مدير مشروعات البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط ان المعونات دائما تكون مشروطة بمتطلبات سياسية ويستلزم التفاوض عليها وقتا طويلا كما تم بدء من وزارة مالية د.سمير رضوان ومرورا بحكومة الاخوان وحتي الحكومة الحالية واستخدام الملف بشكل سياسي إلي حد بعيد. ويوضح د.عمرو صالح ان وصول الدين الخارجي إلي 2.43 مليار دولار في شهر يونيه 2013 يحمل الموازنة العامة أعباء متصاعدة. هنا يمكن الاستعانة بالمنح الخارجية لسد الفجوة التمويلية ولكن لا يمكن ان تكون المنح أو المساعدات اداة لتحقيق النمو. الشرط الوحيد لكي تكون المنح رافعة للنمو هو أن تكون موجهة للبنية التحتية وبالاخص الطرق ومحطات الطاقة وخدمات مياه الشرب والصرف أو اقامة المدن الصناعية بخدماتها موضحا انه لا بديل عن زيادة الانتاج ودعم القطاع الخاص وزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والخارجي. ويؤكد أستاذ الاقتصاد السياسي اننا يجب أن نعترف بدور المنح في سد العجز في الموازنة ومواجهة الفجوة التمويلية الا انها ستبقي مؤقتة ومرحلية تعكس اهمية كبري في استغلال مواردنا المتاحة وفتح ابواب استثمارية تدفع عجلة الاقتصاد للأمام. يشير الدكتور ابراهيم عبدالله استاذ التمويل الدولي بالجامعة الأمريكية ان المساعدات العربية ساهمت بصورة كبيرة في تحسن الوضع الاقتصادي لمصر وزيادة الاحتياطي النقدي وهو ما جعله كافيا لسداد الاحتياجات الاساسية والدليل علي ذلك ارتفاع مصر علي مستوي التصنيف الدولي وان هذا التصنيف يضع في اعتباره ان هذه الدولة ظروفها الاقتصادية غير مستقرة لأنها خرجت من ثورة ويقيس هذا التصنيف مدي قدرة الدولة علي سداد ديونها.ويوضح انه يمكن اللجوء إلي المنح والمساعدات في ظل هذه الظروف ولكن لا يعني هذا اهم العناصر المجتمعية الاقتصادية المنتجة ورغم الموقف السياسي المتأزم الا ان الوضع الاقتصادي يتقدم ويسير نحو النمو ومصر اصبحت قادرة علي سداد الالتزامات المستحقة بسبب المنح العربية التي قامت بسد الفجوة التمويلية عن طريق المساعدات وهو ما حقق طفرة اقتصادية في مصر تحتاج من الحكومة وضع سياسات ملائمة وحوافز استثمارية مشجعة لاستثمار هذا الوضع. غباء الإدارة أما الدكتور صبري الشبراوي أستاذ الادارة بالجامعة الأمريكية وأول من ادخل التنمية البشرية في الوطن العربي فينتقد اعتماد أي حكومة علي المساعدات والمنح ويري ان هذا فشل في الادارة لأن معظم ابناء الشعب لا يعلمون شيذا عن هذه المنح أين تنفق؟ ولمصلحة من؟ ومن المفترض ان تكون هذه المنح محفز للمصريين للمساهمة في مشروعات كبري وعملاقة وان نعطيهم الأمل انهم قادرون علي انجاح البلد وصناعة مستقبلها وأنا لا اعترض علي المنح العربية ولكن اطلب الاستفادة منها في مشروعات يتم تمويلها من مصريين في الاساس مرددا ان "البلد غنية بس الادارة غبية". ويوضح د.صبري ان هناك مشروعات قومية عملاقة نستطيع ان ننفذها لو امتلكنا الادارة الناجحة مثل مشروع للطاقة البديلة أو احياء صناعة الملابس القطنية التي كنا نشتهر بها علي مستوي العالم أو ان نقوم بعمل مشروعات قطارات حديثة يساهم الشعب فيه ب 20 مليار جنيه من اصل 50 مليار جنيه ونفتح شرايين جديدة للبلد متسائلا إلي متي سيظل الغباء مستمرا في ادارة موارد الأمة؟ فالبنوك بها تريليون جنيه مااذ تفعل بها غير تسليف الحكومة فقط وأخذ فائدة الأمر يحتاج إلي تعديل كلي في مفهوم الادارة بمصر فكيف نصرف علي الدعم الغذائي والبترولي 200 مليار ولا نهتم بالعقول وهو دعم البحث العلمي مؤكدا اننا مازلنا نهتم بالبطون فقط دون الاهتمام بالعقول. دعم سياسي