1327 مليار جنيه.. رقم مهم فى معادلة الاقتصاد المصري، فهو إجمالى الدين العام بنهاية العام2011، وفقا لإحصائيات البنك المركزى، ومكمن خطورة هذا الرقم تتمثل فى الزيادة المطردة التى طرأت عليه خلال الشهور التى أعقبت ثورة 25 يناير2011، نتيجة التجاء الحكومة إلى الاستدانة لتغطية زيادة الانفاق على مخصصات الأجور والدعم، و«زاد الطين بلة» تراجع التصنيف الائتمانى لمصر، الذى ترتبت عليه زيادة تكلفة الاقتراض من الداخل لتتعدى فى نهاية الأمر 51%، مما يعقد المشكلة أكثر، فهل تكون هذه المديونية» هدية النظام السابق للرئيس الجديد؟ كان إجمالى ديون مصر فى نهاية 2008 يقدر ب600 مليار جنيه وزاد فى العام التالى ليصل إلى 712 مليارا، فيما كان الدين فى نهاية 2010 نحو 1182 مليار جنيه، لتستمر العجلة فى الدوران إلى الخلف بدون سياسات مالية فاعلة وناجزة لوقف هذا العدوان على الأجيال القادمة بل لحاضرة أيضا، لأن التداعيات الخطيرة لزيادة الديون بدت واضحة فى هيكل الموازنة العامة الجديد 2012/ 2013، حيث يستحوذ بند فوائد القروض على 25.2% من الموازنة بإجمالى مخصصات 133.6 مليار جنيه بزيادة 27.3 مليار على موازنة 2011/ 2012. أكدت دراسة للإدارة المركزية للبحوث المالية والتنمية الإدارية بوزارة المالية ضرورة تفعيل دور الموازنة العامة للدولة فى عملية التنمية وخفض حجم الدين العام الداخلى، مشيرة إلى ضرورة ترشيد النفقات العامة، مع عدم الإخلال بالاحتياجات الرئيسية لمحدودى الدخل، من خلال إصلاح نظام الدعم ووضع ترتيب لأولويات الإنفاق العام. وطالبت الدراسة التى جاءت بعنوان «الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على زيادة حجم الدين العام فى مصر بضروة تنمية الموارد العامة للدولة مع عدم الإخلال بالتوازن الاجتماعى، وذلك من خلال استكمال منظومة الإصلاح الضريبى وتضمين القطاع غير الرسمى فى الإطارالاقتصادى والاجتماعى العام، فضلا عن تهيئة البيئة الاقتصادية لتشجيع الاستثمار الخاص، خاصة أن توسع الحكومة فى إقامة استثمارات البنية الأساسية أدى إلى تزايد الدين العام الداخلى وأعبائه، ومن ثم تأتى أهمية منح القطاع الخاص الاهتمام الكافى وتشجيعه للقيام بدوره. وشدد على أهمية إصلاح أوضاع الهيئات العامة الاقتصادية، من خلال فصل العلاقة التشابكية بين الهيئات الاقتصادية والموازنة العامة للدولة، وأيضا إصلاح وضع أموال هيئة التأمينات الاجتماعية من خلال تنويع مصادر استثمار أموال هيئة التأمينات الاجتماعية وفك التشابكات المالية بين الخزانة العامة وأموال المعاشات، فضلا عن ضرورة إعادة النظر فى النظام الضريبى وإيجاد بديل للدين العام فى شكل موارد سيادية جارية مستديمة. الإنفاق الاستهلاكى «المشكلة معقدة للغاية» .. هكذا علقت د. منال متولى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قائلة: الدين العام يعد أحد مصادر الإيرادات، التى تلجأ إليها الدولة لتمويل نفقاتها العامة عندما تعجز عن توفير إيرادات أخرى، فتقترض إما من الأفراد وإما من هيئات محلية وإما دولية أو من دول أجنبية، ويترتب على ذلك تكاليف متمثلة فى أعباء الدين. وأضافت أنه إذا استخدمت الديون فى تمويل الانفاق الاستهلاكي، فإن ذلك يلحق الضرر بالأجيال القادمة، لأن الجيل الذى أقرض سيستفيد من هذه الأموال من خلال إنفاق الدولة، فيما يتحمل –ظلما- الجيل التالى أعباء تسديد هذه القروض، مما يؤدى بالدولة إلى زيادة عبء الضرائب، ويصبح الدين وكأنه ضريبة مؤجلة، لافتة إلى أنه إذا استخدمت الدولة القروض فى تمويل نفقات استثمارية، فهذا يعنى أن الجيل الذى اشترى السندات يستفيد منها بصورة جزئية، لأن تنفيذ المشروعات الاستثمارية يستغرق وقتا طويلا، أما الجيل التالى فلا تلقى على عاتقه أعباء كبيرة، لأن الدولة ستسدد القرض من إيرادات المشروعات الاستثمارية. وتوقعت أن تتعاظم الآثار السلبية للديون ما دامت نسب العجز فى الحدود التى عليها الآن حول 9%، واستمرار استحواذ بنود الدعم والأجور وفوائد الدين على نسبة كبيرة من الانفاق أكثر من 75%، مقابل أقل من 10% للاستثمارات العامة، فضلا عن انخفاض معدل نمو الإيرادات الضريبية من 20% فى 2007/ 2008 إلى 12% فى العام 2011/ 2012، وارتفاع قيمة المتأخرات الضريبية لتصل إلى 3.5 مليار جنيه غير متنازع عليها مقابل 96 مليار جنيه متنازع عليها، وأخيرا، زيادة معدلات التهرب الضريبى. وحددت د. متولى التحديات التى تواجه القائمين على إدارة الدين العام فى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى لتصل إلى 66% خلال الفترة (2005 – 2010)، وارتفاع معدل نمو الدين بعد ثورة 25 يناير 2011، ليرتفع من 10.4% فى الربع الأول من العام 2009 / 2010، ليصل إلى 17.5% فى الربع الرابع من 2010/ 2011، فضلا عن ارتفاع نسبة اذون الخزانة إلى إجمالى الدين العام المحلى من 28.6% فى الربع الأول فى 2010/ 2011 إلى 34.1% فى الربع الرابع من نفس العام. وقالت مدير مركز البحوث الاقتصادية إنه لمواجهة هذه التحديات، لابد من تخفيض العجز فى الموازنة العامة للدولة من خلال ترشيد الانفاق العام من خلال تحقيق الشفافية فى كافة بنود الانفاق العام، واعادة النظر فى بنود الانفاق المختلفة، بحيث يتم إجراء بعض التخفيضات فى بند الأجور من خلال تخفيض مكافآت مجالس الإدارة، وإعادة النظر فى دعم البترول، وتقييم الوضع الحالى للانفاق الاستثمارى فى الموازنة، وتعظيم الاستفادة من قانون المشاركة بين القطاعين العام والخاص والنظرفى المنظومة الضريبية . وشددت متولى على أن الظروف الحالية تستوجب وضع استراتيجية متكاملة لتوفير التمويل، بعد تقييم الاحتياجات التمويلية المختلفة، وتحديد مصادرها محلية أم خارجية، وتحديد قيمة الدين الخارجي، التى يمكن الاعتماد عليها لسد الفجوة التمويلية، لافتة إلى أنه من الضرورى تحديد مجلس استشارى لإدارة الدين يصدر به قرار من مجلس الوزراء، ليتولى تنفيذ استراتيجية إدارة الدين المصدق عليها من البرلمان، والمحدد بها سقف سنوى للمديونية أسوة بالمكسيك، على أن تحدد هيئة خارج الحكومة للرقابة على الدين تتولى اعداد تقرير سنوى يعرض على البرلمان لمناقشة استخدامات الدين وأوجه الأنشطة المختلفة المرتبطة به أسوة بالعديد من البلدان منها بولندا. هيكل الدين ومن جانبه أوضح د. محمد زكى الباحث بمركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بجامعة القاهرة أن مواجهة أزمة الدين العام لابد أن تبدأ باقرار آليات تحقق المزيد من الشفافية، لأن شفافية الدين العام أهم ركيزة لتحقيق الإدارة الرشيدة للمالية العامة، مشيرا إلى أنه وفقا لاحصائيات البنك المركزي، بلغ حجم الدين نهاية العام 2011 نحو 1327 مليار جنيه، مقسمة إلى 204 مليارات جنيه دين عام خارجى، و1133 مليار جنيه دين عام محلى. وأشار إلى أن الدين العام المحلى يشمل صافى الدين المحلى الحكومى المجمع ويبلغ 894.6 مليار مضافاً إليه صافى المديونية المجمعة للهيئات العامة الاقتصادية ويبلغ 66.5 مليار، وصافى المديونية المجمعة لبنك الاستثمار القومى 239.7 مليار، مخصوما منها المديونية البينية ما بين الجهات الثلاث وتقدر بنحو 67.9 مليار جنيه، أما الدين العام الخارجى يتمثل فى 26 مليار دولار دين حكومى و8 مليار دولار دين غير حكومى. وقال د. زكى إن ارتفاع القيم المطلقة للدين لا يعتبر معيارا كافيا للحكم على مستوى مديونية الدولة، إلا أن نسبة الدين العام للناتج هى المعيار الأساسى للحكم على مستوى مديوينة الدولة، وبالتالى فلا يوجد تخوف من زيادة القيمة المطلقة للدين مادام دخل الدولة ينمو بمعدل أكبر من معدل نمو الدين، وأن نسبة الدين للناتج ليست نسبة جامدة، وأن نسبة الدين العام لعدد السكان واستخراج نصيب المواطن من الدين ليس معيارا سليما. وأضاف أن هناك 4 مؤشرات أساسية للحكم على استدامة الدين العام، وهي، مدى تمتع الدين بمتوسط هيكل آجل مناسب، وقدرة متحصلات الدولة من العملة الأجنبية على خدمة الدين الخارجي، وقدرة موازنة الدول على تحقيق فائض أولي، وزياد معدل النمو الحقيق للناتج عن سعر الفائدة الحقيقى على الدين. وحذر من خطورة الوضع فى ظل تراجع مؤشرات معدلات الأداء الاقتصادى، حيث إن معدل النمو الحقيق للناتج فى نهاية ديسمبر 2011 وصل إلى 0.4% مقارنة بنحو 5.6% فى نهاية ديسمبر 2010، وفى الوقت ذاته ارتفع متوسط سعر الفائد المستحق على الدين فى نهاية ديسمبر 2011 إلى 12.2% مقابل 10.7% فى نهاية ديسمبر 2010، فضلا عن أنه من المتوقع أن يستمر الدين العام فى الزيادة فى الفترة القادمة نتيجة ارتفاع التوقعات باستمرار العجز الهيكلى للموازنة فى الزيادة المطردة، لاستمرار التراجع فى معدل النمو الاقتصادى والتزايد المستمر فى الفجوة بين الايرادات والنفقات واستمرار الارتفاع فى اسعار الفائدة. وشدد على ضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير لترشيد بعض بنود الإنفاق العام من خلال آليات فاعلة وعادلة تضمن تقريب الفوارق فى الأجور ووصول الدعم لمستحقيه دون غيرهم، وتفعيل نظم المشاركة بين القطاعين العام والخاص فى مشروعات البنية الاساسية، وتفعيل حساب الخزانة الموحد بهدف تحسين إدارة حركة النقدية بين الجهات العامة وتمويل العجز الموسمى بتكلفة منخفضة، وإلغاء الضريبة على عوائد السندات وأذون الخزانة لآثارها السلبية على تكلفة الدين العام ورفع أسعار الفائدة. سياسة التدرج فيما أوضحت د. ماجدة قنديل مدير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية أن إدارة الدين العام تحتاج إلى ضرورة اتباع سياسة «التدريج»، ولتكن البداية من الموازنة الجديدة، بحيث يتم الحرص كل الحرص على تدبير المزيد من الإيرادات السيادية بما يقلل العجز عن الرقم 140 مليارا المعلن عنه من قبل الحكومة فى الموازنة الجديدة. وأكدت أن تحركات الحكومة تدلل فى مجملها على أنه إلى الآن لم تتوافر إرادة حل هذه المشكلة بعد، والدليل على ذلك، الصورة التى خرجت عليها الموازنة الجديدة، وكيف أنها تقلص الخطة الاستثمارية للدولة، حيث زادت لتصل إلى 57 مليار جنيه، وذلك فى الوقت، الذى كان من المفترض أن يصل هذا الرقم لأكثر من 100 مليار جنيه، حتى لو كان ذلك على حساب بنود الموازنات الأخرى سواء الدعم أو الانفاق الحكومى أو الأجور. فالخطة الاستثمارية، وفقا للدكتورة ماجدة، زادت من 48 مليار فى موازنة 2011/2012، لتكون 57 مليارا فى الموازنة الجديدة، فيما زادت الأجور من 117 إلى 136 مليار جنيه، وذلك فى الوقت الذى يملؤن الأرض ضجيجا بأنهم سيخفضون الانفاق على الوقود بواقع 25 مليار جنيه، ليصبح من 95 مليارا فى الموازنة الحالية، لتصبح 70 مليارا فى مشروع الموازنة، متناسين أن ما سيتم ترشيده فى انفاق الطاقة زاد فى دعم المواد الغذائية ودعم رغيف العيش. وشددت د. قنديل على أن الاقتصاد فى حاجة ماسة إلى خطة حكومية تقوم على التقشف فى جانب الانفاق الحكومي، والتوسع فى جانب الخطة الاستثمارية للدولة، خاصة أنه تم الانفاق بسخاء خلال الشهور الماضية للاستجابة لمطالب الشارع، فزاد عجز الموازنة إلى 7.9% مقارنة ب 5.8% قبل الثورة، لافتة إلى أن مكمن الخطورة هو تقليص الانفاق الاستثمارى للدولة، وهذا ما كان قد شهد زيادات غير مسبوقة فى 2005 و2006 وترتب عليه معدلات نمو مرضية، لذلك فلابد من زيادة الخطة الاستثمارية، لزيادة معدلات التشغيل، مما يوفر بدوره المزيد من فرص العمل. عجز الموازنة أما ناجى الأشقر وكيل وزارة المالية لشئون المكتب الفنى للوزير فأكد أن عجز الموازنة هو المسئول الأول عن الدين العام للدولة، لأنه كلما وجدت الدولة عجزا فى موازنتها العامة تلجأ إلى الاقتراض لسد الفجوة الحاصلة عن زيادة الانفاق عن الإيراد، وبالتالى فمشكلة الدين قائمة فى مصر ما دام عجز الموازنة قائما، موضحا أن التزايد المخيف فى معدلات الدين المحلى يسبب قلقلا كبيرا للاقتصاديين لأنه يمثل مزاحمة حكومية للقطاع الخاص فى الحصول على السيولة، وبالتالى فإن زيادة حاجة الحكومة لهذه السيولة يترتب عليه تراجع فى معدلات التشغيل لعدم توافر تمويل للقطاع الخاص، فضلا عن أن زيادة طلب الحكومة لهذه السيولة يرفع من تكلفتها. وأشار إلى أن خطورة الدين الخارجى تكمن فى أنه يمثل ضغطا على الاحتياطى النقدى، وخطورة على سعر صرف الجنيه، موضحا أنه من منطلق حرص «المالية» على الشفافية فى إدارة هذا الملف تحرص على نشر كل البيانات الخاصة بالدين العام سواء فى مطبوعات أو على شبكة الإنترنت، من خلال الموقع الرسمى لها أو البنك المركزى. ولفت الأشقر إلى أن مواجهة هذه الأزمة تحتاج من الحكومة إلى إعادة النظر فى نظام الضرائب والجمارك، وهذا لا يمكن تداركه أو البدء فيه إلا بعد حدوث الاستقرار الاقتصادى والاستثمارى، وهو مرهون فى الأساس بالدرجة الأولى بالاستقرار الأمنى، إن إعادة النظر فى نظامى الضرئب والجمارك ستتم بعد أن تتضح رؤية طبيعة النظام الاقتصادى، الذى ستسير عليه البلاد خلال المرحلة القادمة. وقد نصح بضرورة ألا يتم التعويل عند وضع استراتيجية اقتصادية لمصر على المنح والمساعدات، التى وعدت بها بعض الدول الصديقة، إنما الرهان يجب أن يكون على زيادة الانتاج المحلى وخلق فرص عمل جديدة وجذب الاستثمارات، مطالبا بضرورة إعادة النظر فى منظومة إدارة الهيئات العامة والاقتصادية، للبدء فى تطويرها وتنميتها مثل هيئة قناة السويس والسكة الحديد وغيرها، لأن تطوير هذه الهيئات يمكن أن تترتب عليه زيادات كبيرة فى إيراداتها.