تطلق الحرية في اللغة علي الخلاص . تقول حر العبد حرارا. خلص من الرق. وحرره أي أعتقه. وتحررت الأرض. أي تخلصت من سيطرة الغير . والمقصود بحق الحرية الإنسانية هنا: سعة الدنيا لانطلاق وإبداع الإنسان في تعميرها كما بين القرآن الكريم في قوله ¢هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها¢ "هود61" وقوله تعالي: ¢وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالاتعلمون ¢: "البقرة: 30" فكان وجه توقف الملائكة: هو أن يفسد هذا الخليفة في الأرض ويسفك الدماء كما كان تفويض موسي عليه السلام لأخيه هارون منوطاً بالإصلاح ومقيدا بعدم الإفساد قال تعالي وقال موسي لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين "الأعراف142" والحرية جناحان أحدهما مادي والآخر معنوي أي أن الحرية تتنوع إلي نوعين حرية تتعلق بالمعقولات المعنوية أو الفكرية لأن الإنسان جسد وروح فكان له التمتع بحق الحرية جسداً وروحا وفقاً لضابط الحرية الذي يمتد حيث البناء والإصلاح أوحتي الرفاهية ويقف حيث الإفساد والإضرار أو الضرور الذي يلحق النفس ومن أهم مظاهر الحرية المادية أو الجسدية عتق النفس أي حريتها من الرق فالأصل أن يولد الإنسان حر البدن لا عبدا مملوكا يباع ويشتري ومن الحرية المادية اختيار النشاط أو العمل الحياتي فلا يجبر أحد علي ممارسة مهنة يعند عنها ويرفضها بطبعه ومن الحرية المادية أيضاً تمكين الانسان من التنقل في الأرض حيث شاء مع مراعاة الضوابط والقواعد التي تنظم تلك الحقوق بين الناس ومن أهم مظاهر الحرية المعنوية أو الروحية اختيار الدين والعقيدة فكل إنسان له أن يختار الدين الذي يرتضيه لنفسه والعقيدة التي يقتنع بها ويجد فيها ذاته وعليه أن يحتمل نتيجة ومسؤلية هذا الاختيار ومن الحرية المعنوية أيضا إعمال الرأي والاجتهاد فكل إنسان له أن يمارس بفكره وعقله قضايا الرأي والاجتهاد ويشارك غيره في ذلك غير أن هذا الحق يستلزم بطبيعته أن يتسلح طالبه بخلفية عملية وخبرة حياتية تؤهل الإدلاء بالرأي وممارسة الأجتهاد وهو ما يطلق عليها شروط الاجتهاد ومن الحرية المعنوية أيضاً إعمال الفكر والتأمل وهذا الحق يختلف عن حق إعمال الرأي والاجتهاد لأن الفكر والتأمل إبداع في قضية عقلية يكتشفها المفكرون والمتأملون أما إعمال الرأي والأجتهاد فيكون بصدد قضية فكر وتأمل قال تعالي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار "آل عمران: 190 191" من كل ما سبق يتضح ابتناء أحكام الشريعة الإسلامية علي تأسيس حرية الإنسان جسداً وروحاً ليتمكن من رسالته التعميرية في الأرض وعبادته لله عز وجل طوعاً لا كرها.