تشتمل الشريعة الإسلامية علي كثير من الأحكام التي تعتبر ثمرة ومظهراً للإنسانية حق صيانة صورة الآمي. حيث لم تفرق الشريعة الإسلامية فيها بين مسلم وغيره. ومن تلك الأحكام: النهي عن التعذيب والتمثيل. الذي هو التنكيل تحت أي مبرر والنهي عن الضرب علي المكارم كالوجه ومكان الفرج والخصية والأمر بدفن الميت لإكرامه حتي لا تترك جثته تتعفن أمام الأحياء. وتنهشها السباع. والتعذيب في اللغة هو إنزال العقاب والنكال بكل ما شق علي النفس. تقول: عذبه يعذبه تعذيباً. أي عاقبه ونكل به. والعذاب اسم للعقوبة. وقال الفيومي في "المصباح المنير": التعذيب أصله في كلام العرب: الضرب. ثم استعمل في عقوبة مؤلمة. ثم استعير للأمور الشاقة. ويمكن تعريف التعذيب فقهاً بأنه: الزيادة علي العقوبة المقدرة نصاً أو عرفاً بما يشق علي النفس. ومن التعذيب: الحمل علي الجوع والسهر. أو الحمل علي الإكثار من الأكل والنوم. من قولهم: عذب الرجل. إذا أكثر الأكل والنوم. فهو عاذب. ولا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في التعذيب هو المنع والتحريم. حتي لو كانت العقوبة المقررة هي القتل فيقيم الجلاد القصاص أو حكم الإعدام بأسرع طريق للموت دون تعذيب. كما يحرم التعذيب. لو كان المقتول سفاحاً أو حربياً أو حتي حيواناً. وقد أفاض الفقهاء في بيان هذا المنع. في أثناء القتل المشروع. وفيما لو صدرت أحكام بإعدام بعض المجرمين. أنه لا يجوز تعذيبهم بالجوع والعطش وغير ذلك من أنواع التعذيب. بل يقتلون بما يفضي إلي أزهاق الروح سريعاً» لقوله تعالي: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" "محمد:4". ولما أخرجه مسلم من حديث شداد بن أوس. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب الإحسان علي كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة. وليحد أحدكم شفرته. وليرح ذبيحته". وأخرج مسلم من حديث هشام بن حكيم بن حزام. أنه مر بالشام علي أناس. وقد أقيموا في الشمس. وصب علي رؤوسهم الزيت. فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج. فقال: أما إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا". وقد اختلف الفقهاء في كيفية القصاص من القاتل الذي عذب ضحيته قبل قتله. كما لو قطع أذنه أو منعه النوم ثم قتله. فذهب الجمهور إلي أن القصاص من القاتل يكون بمثل ما فعله بالمقتول. لأن حقيقة القصاص المماثلة. إلا أن يتم التعذيب بما لا يحل استعماله في ذاته كاللواط وشرب الخمر. حتي لا يكون القصاص وسيلة لاستباحة الحرام. وذهب بعض الشافعية في وجه: إلي أن القصاص يستوفي بفعل يحل استعماله في ذاته أشبه بالفعل المحرم. كما لو قتله بإسقاء الخمر فإنه يسقي خلاً حتي يموت. وإذا كان القتل باللواط. فيكون القصاص بإدخال العصا كاللواط. وذهب الإمام أبوحنيفة وأصحابه والإمامان مالك. وأحمد في إحدي الروايتين عنهما. وهو قول الشعبي والنخعي: إلي أن القصاص يكون بالسيف ولا يصاحبه تعذيب. ولو كان القاتل قد مارس تعذيب مقتوله. للأمر بالإحسان في القتل. والنهي عن التعذيب. وأما تعذيب القاتل لضحيته فيترك إلي مؤاخذة الله تعالي له يوم القيامة. لمنع التشفي أو التوسع في تنفيذ القصاص. ولصيانة صورة الآدمي في الدنيا. والله تعالي حق عدل. لا تضيع عنده الحقوق. وهو أعدل العادلين. قال تعالي: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين" "الأنبياء:47".