شمس ساطعة ورياح قوية نعمتان يغفل عنهما كثير من حكام وشعوب الشرق الأوسط والشمال الإفريقي.. فبينما تجاهد أوروبا للحصول علي القليل من أشعة الشمس التي تغيب عن سمائها أغلب العام وتخوض عباب البحار لبناء طواحين هوائية سعياً وراء الرياح القوية لتويد الكهرباء. نجد إهمالا عربياً لهذه الموارد الوفيرة علي أرضها. وفي الوقت الذي أنتجت فيه أوروبا كميات كبيرة من الطاقة المتجددة. لاتزال دول الشمال الإفريقي تعتمد علي الوقود الحفري مثل البترول والغاز الطبيعي رغم أنهما علي طريق الزوال ورغم زيادة الطلب علي الطاقة نتيجة للنمو السكاني الكبير بها.. وتعد أزمة الوقود التي تعصف بأغلب بلدان الشمال الإفريقي حاليا باعثا لحكامها علي الاهتمام بالأشكال المتجددة من الطاقة وحافزاً قوياً وراء تغير مفهوم الطاقة لدي شعوب هذه الدول. كمثال يصل إنتاج الطاقة المتجددة في تونس 2% فقط رغم ان الحكومة التونسية تتكبد أموالا طائلة في دعم الوقود والغاز. كما أن الوضع في مصر ليس بأحسن حالا فأزمات السولار واسطوانات الغاز وانقطاع الكهرباء لا تخفي علي أحد. ويصل إنتاج الطاقة المتجددة في مصر إلي 5% فقط. لكن المبشر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بإمكانها أن تحصل علي 66% من الطاقة من الموارد المتجددة وفقا لدراسات أجراها "مركز الفضاء الألماني" مع تحقيق فوائد بيئية واقتصادية. تضم الأراضي العربية بعضا من مشروعات الطاقة المولدة من أشعة الشمس واندفاع الرياح ولكنها لاتزال في مهدها ولا يمكن الاعتماد عليها حتي هذه اللحظة. وكانت المملكة المغربية في صدارة الدول التي بدأت مشروعات تنمية الطاقة المتجددة وفتح أسواق لها وبناء شبكات ذكية من الطاقة النظيفة ويخطط المغرب إلي إنتاج 42% من طاقته الداخلية من مصادر متجددة بحلول عام 2020 بنسبة 14% من كل من الطاقة الشمسية والمائية والرياح. أطلق المغرب مشروعا يهدف إلي إنشاء خمس محطات لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة النظيفة كان أولها محطة "عين بني مطهر" للطاقة الشمسية في إقليم جرادة شمال شرقي البلاد والتي بدأت مؤخراً في الوصول إلي الشبكة الوطنية للكهرباء ليستفيد منها السكان في أنحاء البلاد.. تم بناء المحطة علي مساحة 395 فدانا بتعاون بين شركة مغربية وثلاث شركات فرنسية وإسبانية. وحصل المغرب علي تمويل بلغ 42.2 مليون دولار من البنك الأفريقي للتنمية والصندوق العالمي للبيئة ومعهد الائتماني الإسباني. وتساهم المحطة في خفض استخدام الوقود بمعدل 12 ألف طن في العام وكذلك في تقليل الانبعاثات الكربونية بمعدل 33 ألفا ونصف طن في العام.. ويصل إنتاج المحطة 20 ميجا واط من الكهرباء النظيفة. كما تضخ المياه الجوفية لتبريد أجهزة المحطة وبعدها تتم معادلة المياه لاستخدامها في زراعة 4500 شجرة بمحيط المحطة. كما بدأ المغرب في شهر مايو الماضي مشروع محطة إنتاج الطاقة الشمسية بمدينة ورزازات. وفقا لمصطفي باقوري رئيس مجلس إدارة الوكالة المغربية للطاقة الشمسية فإن إنتاج الكهرباء في هذه المحطة الشمسية من المتوقع أن يصل إلي 160 ميجاواط عند الانتهاء منها في عام 2015 وهو مقدار كبير عالميا وتعتزم السلطات المغربية فيما بعد إلي توسعة محطة ورزازات لمضاعفة إنتاجها ليصل إلي 500 ميجا واط أي ما يكفي لتزويد المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليون ونصف المليون نسمة بالطاقة. لكن الأمر ليس سهلا في بدايته. فلا بد من الحصول علي التدريب الكافي لإنشاء هذه المحطات وتشغيلها واستيراد الآلات وتصنيعها محلياً إن أمكن وفقا كل ذلك الحصول علي التمويل وهذا ما أكده مؤتمر طاقة الصحراء السنوي الرابع الذي عقدته منظمة "دي أي أي" "Dii" الألمانية في الرباط نهاية شهر أكتوبر الماضي حضره مسئولون وممثلون لشركات في مجال الطاقة المتجددة من دول شمال أفريقيا وأوروبا. وشمل المؤتمر عدة لجان مناقشة بالاضافة إلي مؤتمر صحفي ومعارض لكبري الشركات. قال بولفون سون المدير التنفيذي للمنظمة الألمانية في افتتاح المؤتمر إن منظمته أطلقت مشروع "ريديمينا" لمساعدة دول الشمال الإفريقي في إنشاء المشروعات الاسترشادية والأولية عن طريق تقديم التمويل والخبرات ومحاولة التغلب علي العوائق السياسية. وبناء علي دراسات أجرتها المنظمة فإن إجمالي إنتاج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الطاقة المتجددة سيتضاعف من 1700 ميجاواط إلي 3300 ميجاواط بحلول عام 2014 ويتوقع سون أن يكون الشمال الإفريقي علي أعتاب مرحلة جديدة من الانتقال في مجال الطاقة المستمدة من الرياح والشمس. يسيل اللعاب الأوروبي أمام الموارد الطبيعية الوفيرة علي الأراضي العربية ويكفي القول إن الاتحاد الأوروبي ما هو إلا امتداد ل"لجمعية الأوروبية للفحم والصلب" التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لتأمين مصادر الطاقة في اوروبا لكن المساعدات الأوروبية وتوفير المصادر المتجددة ليس كافيين لإحداث طفرة في إنتاج الطاقة بشمال إفريقيا. فيتحتم علي حكام دول المنطقة الأخذ بزمام المبادرة والاهتمام بالاشكال الجديدة للطاقة وكذلك ينبغي علي الشعوب تغيير مفهومها علي الطاقة من منطلق الاضرار وليس الرفاهية وتوديع قرون من استخدام النفط والغاز اللذين أوشكا علي الانتهاء من كوكب الارض.