الكادر الخاص تحول إلي صداع مزمن في رأس الحكومات المتعاقبة وزادت حدته بعد ثورة 25 يناير مع تكرار مطالبة النقابات المهنية باعتماد كادر خاص يخرج أصحاب هذه المهن من النظام العام للموظفين "قانون رقم 47 لسنة 197 الخاص بالعاملين المدنيين بالدولة" ويدخلهم في هيكل وظيفي ومالي مستقل.. ورغم مطالبات فئات كثيرة بكادر .. مستقل.. وما زالت نقابة المعلمين في انتظار جرس الحصة الأخيرة لتكتمل كادر المعلمين بينما تناضل المهن الطبية لإنهاء ولادة متعثرة لكادر الأطباء وفي الطابور نقابات أخري تطالب بكادر خاص منها المهندسين والدعاة والزراعيين والصحفيين وغيرهم.. وحين يقع المطالبون بالكادر في دائرة اللوم بسبب ضغوطهم علي الحكومة في ظل سوء الأحوال الاقتصادية يكون ردهم أنهم واقعون في دائرة الحرج بسبب ضعف الرواتب وغلاء المعيشة. هل الكادر فتنة نائمة ملعون من يوقظها أم حق وراءه مطالب لن يضيع وإن تأخر؟ في سطور هذا التحقيق نطرح قضية الكادر من وجهة نظر الخبراء وأصحاب الشأن هذا.. بعد تأزم الموقف حول كادر المهن الطبية مؤخرا ما بين موافق ورافض لمشروع الحافز الذي قدمته وزراتا الصحة والمالية. مركز قانوني خاص في البداية يعرف د. صبري السنوسي أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة الكادر الخاص من الناحية القانونية باعتباره وضعاً أو مركزاً قانونياً خاصاً لمن يعمل في وظيفة معينة فيحدد لها أحكام قانونية خاصة لا تنطبق علي غيرها وفي نفس الوقت يكون بمثابة كادر عام ينطبق علي كل العاملين في هذه المهنة.. أسوة بكوادر أساتذة الجامعات ورجال القضاء والشرطة. ويتبني د. السنوسي رأيا مختلفا فيما يخص مطالبات النقابات المهنية بكوادر خاصة. معتبراً أن الأصل وجود كادر عام لكل النقابات المهنية إلا فيما إذا اقتضت طبيعة كل نقابة أحكاما بهم أما المطالبة بكادر للمهندسين والمعلمين والأطباء وغيرهم سيؤدي في النهاية لعدم وجود من ينطبق عليهم الكادر العام باعتبار أن كثرة الاستثناءات تؤذي القاعدة. وفي رأي أستاذ القانون أن وجود كادر خاص يحتمه قواعد معينة منها كيفية الالتحاق بالمهنة هل هي مفتوحة للجميع أم للبعض دون الآخر؟ وهل لها شروط خاصة في ممارسيها؟ والدور الذي يقوم به أصحاب المهنة في المجتمع وطبيعة عملهم من حيث الحضور والانصراف والاجازات ألخ.. وهكذا لا يبدو د. صبري السنوسي متعاطفا مع المطالبين بالكادر من حيث التوقيت ولا حتي المبدأ! معضلة اقتصادية وكخبيرة اقتصادية تري د. هانيا الشلقاني أستاذ باحث بمركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية أن الكادر معضلة اقتصادية مرتبطة بهيكل الأجور. مشددة علي ضرورة اعادة هيكلة الأجور ليس استجابة للضغوط السياسية وأنما في إطار الظروف الاقتصادية والاجتماعية بحيث تتحقق العدالة مع الإنتاجية وجودة الخدمة. وتشرح د. هانيا رأيها قائلة: الكادر يعني التوازن بين الأجور في القطاعات والدرجات في أصحاب المهنة الواحدة وإذا كانت مطالبة النقابات به تأتي في إطار تحقيق الحد الإنساني والعدالة الاجتماعية إلا ان العدالة تقتضي الأخذ والعطاء فلابد من وجود معايير لقياس جودة الخدمة وضمان تحسين الأداء وتقييم المخرجات.. فهي معادلة اقتصادية دقيقة تحتاج دراسة اكتوارية واقعية. وتتساءل أستاذة الاقتصاد كيف تضمن الدولة سبل مكافأة المجتهد أو معاقبة المخطئ في ظل ضعف الرقابة عموما والنتيجة التسبب حتي في القطاعات المطالبة بالكادر فكم من أطباء يتغيبون عن عملهم ومازالوا يقبضون مرتباتهم وهكذا بأن طرح الكادر مع آلية مراقبة الأداء هو الأكثر تحقيقا للعدالة من وجهة نظرها. الكادر الإنساني الكادر الإنساني قبل الوظيفي . طرح يتبناه د. صبري الشبراوي أستاذ الإدارة بالجامعة الأمريكية مؤكدا أن الكادر بمعني الإنسان أهم من الكادر بمعني الوظيفة وأن تطوير الإنسان وتحسين انتاجيته هو التحدي الحقيقي. ويطالب أستاذ الإدارة بدراسة شاملة لكل الفئات التي تطالب بالكادر والتحقق من انتاجيتها ووضع معايير لجودة العمل وإعطاء مهلة لتقييم الموقف قبل تطبيق الكادر في ظل أزمة البلد الاقتصادية.. متعجبا من أنفاق 180 مليار عي دعم "البطون" ممثلا في دعم المواد التموينية واهمال دعم العقول في صورة التعليم والتدريب للمهن المختلفة. بين الاستحقاق والأولوية وبنظرة اجتماعية تصف د. شهير عبد المنعم الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالكادر أنه دعوة مباشرة للحصول علي دخل أكبر. في محاولة لعدم الوقوع في دائرة الفقر التي تتسع والحفاظ علي بقايا الطبقة الوسطي "الطبقة الحامية للأخلاق والقيم". مشيرة إلي أن الحتمية الاقتصادية تفرض نفسها وأنها تؤثر علي التوازن النفسي للفرد والتماسك المجتمعي. وتنوه د. شهير بأهمية التفرقة بين الاستحقاق والأولوية في ظل الفجوة بين الدخول والانفاق. مشيرة إلي أن المطالبين بالكادر الآن لهم مصادر دخل أخري مشروعة كالمدرسين والأطباء بينما هناك فئات أخري دخلها ضعيف وليس لها مصادر أخري لم تدخل في الكادر حتي الآن مثل الأخصائيين الاجتماعيين مطالبة أن يحمل الكادر معني التحسن المادي والوظيفي معا بمعني زيادة التأهيل وليس فقط زيادة الدخل. وتعتقد الخبيرة الاجتماعية أن تحقيق الكادر لفئات دون أخري يفتح أبواب الصراع في المجتمع فالعاملون في الجهاز الحكومي استفادوا من الثورة وتحسنت أحوالهم المادية ولو نسبيا ولكن الفئات التي عانت أكثر من غيرها طوال فترة الثورة وما بعدها هم أصحاب الأعمال الهامشية ومن ثم تطالب الدولة بالالتزام بالحد من البطالة وتنمية القطاع غير الرسمي في المقام الأول وقبل أي مصدر انفاق أخر ولمدة 3 أو 4 سنوات قادمة وتأجيل مطالبات النقابات وأصحاب المهن إلا في صورة مشروعات قوانين متكاملة تطرح دور المقابة في توفير مصدر تمويل لهذه الزيادات وفتح أبواب الرزق أمام العاملين بها. أصحاب الشأن: ليس ترفاً ومن آراء الخبراء التي انقسمت ما بين التفهم والرفض للكادر في الوقت الحالي إلي أصحاب الشأن الذين أكدوا أنهم صبروا طويلا وأن الكادر ضرورة وليس ترفا علي حد قولهم. يلخص د. خيري عبد الدايم نقيب الأطباء أزمة الكادر مع وزارة المالية قائلا: أن وزارة المالية غير قادرة و"مش عاوزة" توفر التمويل فتعرض عي الأطباء مزايا مالية ولكنها ليست الكادر بمعني الذي يطالبون به.. والمعروض رفع المرتبات في يناير بمقدار 600 جيه كمرحلة أولي والتفاصيل كلها لم تكتمل بعد.. مطلب الأطباء متكامل يقدم مخصصات مالية لكل درجة ووظيفة تزيد عما تعرضه وزارة المالية فالكادر زيادة في المرتب وليس مجرد حوافز أو بدلات تتغير كل أول شهر. ويرفض د. خيري الانتقادات الموجهة لمطالبة الأطباء للكادر باعتباره "تحريضا" لفئات أخري قائلا كل مظلوم يأخذ حقه وليس من العدل ظلم الأطباء لعدم انصاف غيرهم.. مشددا أن هيكل الأجور الحالي فاسد ولابد من اصلاحه والمرتبات أقل من احتياجات الطبيب مما يرغمه علي العمل في مستشفي خاص أو التركيز علي عيادته أكثر من وظيفته. ويرد علي الدعوة إلي جودة الخدمة الطبية قبل الكادر بأن الأطباء جزء من المنظومة مثلهم مثل الأجهزة والمعدات ويعانون كغيرهم من ضعف ميزانية الصحة ومن الظلم لومهم وحدهم علي سوء الخدمة أو ربط تحسينها بالكادر. ويري نقيب الأطباء أن المطالبة بالصبر أو التأجيل لعدم توافر الميزانية لا تتفق مع أوجه اهدار مال الدولة الموجودة فالأطباء لا يطلبون ترفا بل ما يكفي الطبيب ليعيش ويربي أبناءه- علي حد تعبيره. منوها أن الكادر لا يمنع تطبيق الاجراءات التأديبية من خصم أو فصل في حالة التقصير في العمل. الممكن المقبول وفي المقابل رفض الأطباء لعرض المالية هناك المرحب به مثل نقابة أطباء العلاج الطبيعي التي يوضح موقفها الدكتور سامي سعد رئيس النقابة العامة لاطباء العلاج الطبيعي قائلا لا يوجد بالقانون ما يسمي "كادر" والمسمي الصحيح هو مشروع قانون العاملين بنقابة الأطباء أو المعلمين وغيرها. ويضيف: لقد انقذت الثورة 30 يونيو بعض النقابات المهنية الطبية مما أطلق عليه كادر المهن الطبية وذلك بحل مجلس الشوري الذي كاد يوقع هذا الكادر الذي يصفه بالظلم وعدم التوازن والعنصرية وبتهمة بافتقاره لخطط تدبير الموارد المالية وانه علي الأرجح كان لأغراض سياسية. وفي المقابل يري سعد أن الوثيقة التي اعدتها الدكتورة مها الرباط وزيرة الصحة وقيادات الوزارة بالاشتراك مع وزارة المالية واطلق عليها حافز المهن الطبية مرضية ومقبولة بالمقارنة بما اطلق عليه مشروع الكادر الذي وصفه بالكذب والتفعيل ويقارنه بالطرح الجديد الذي يتميز بأنه تشريع ولا يلغي إلا بتشريع ومدرج في باب أول بالموازنة العامة وأنه أصبح إلزاما علي الدولة أن تعطي هذه الحوافز شهريا وليس بيد أي وزير إلغاؤه أو تقليل نسبته. ويؤمن سعد أن الممكن المقبول أفضل من الأمثل المستحيل وانه يجب علي الجميع الوقوف بجانب الدولة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها. ويتمني نقيب أطباء العلاج الطبيعي أن يتم تطبيق الحافز مع بداية العام الجديد كما وعدت الوزيرة باعتبار أن المهن الطبية بكافة تخصصاتها من أكثر النقابات التي ظلمت طويلا رغم أهمية الدور الكبير الذي يقدمونه للمجتمع كما أن الحد الأدني والأقصي لأجور الذي أعلنت عنه الدولة سيكون كافيا لفئات أخري. المعلمون في الانتظار ويتفق معه في الرأي محمد محمود وكيل النقابة العامة للمهن العلمية . مقتنعاً أن الكادر مهم وضروري لبعض المهن التي لها يد طولي في تشكيل شخصية الإنسان ومتابعة المجتمع وأولها المعلم مطالبا الحكومة بتخصيص نسبة من الناتج القومي للتعليم وليس جزءا من الموازنة العامة. وأوضح أنه تم تطبيق نسبة 50% لكادر المعلمين وتم رفع مذكرة للوزير لتطبيق النسبة الباقية في الوقت المناسب. مشيرا ان الاستقرار المادي للمعلم سيكون بداية الاصلاح الحقيقي للمجتمع. يكفي أن نذكر أ الانفاق علي الدروس الخصوصية 20 مليار جنيه سنويا. يمكن توجيهها في أمور اقتصادية أخري في حالة شعور المعلم بالاستقرار المادي. بينما طالب الدكتور أحمد عبيد رئيس لجنة الصيادلة الحكوميين بالنقابة العامة للصيادلة بتوحيد نسبة الحافز لجميع أعضاء المهن الطبية واعتبار عام التكليف للصيدلي سنة اقدمية مستنكرا تمييز الأطباء سواء البشريون والأسنان عن الصيادلة في المشروع السابق للكادر. وأكد علي أهمية أن يشمل الحافز صيادلة قطاع الأعمال وأن تعيد الدولة شركات قطاع الأعمال إلي سابق عهدها في منافسة المنتجات المستوردة لأنها الأمل الحقيقي في توفير دواء أمن ورخيص..