يقر الإسلام لكل إنسان بخصوصيات تحفظ كرامته. وأوجب علي الآخرين احترامها. ومن أهم القضايا الحياتية التي تعد مظهراً لذلك: قضية الاعتقاد التي يراها الإسلام قضية ذاتية» لتعلقها بفعل القلب. الذي هو أخص خواص الإنسان. ومنع الإسلام الناس أن ينسب بعضهم لبعض اعتقاداً لم يعلنوه عن أنفسهم. وقصر نطاق التعامل بين الناس علي الظاهر دون النوايا العارية عن ظاهر معتبر. بل وجدنا القرآن الكريم ينعت أولئك الذين يحكمون علي الناس ببواطن قلوبهم. دون سند ظاهر بأنهم مغرضون لمكاسب دنيوية رخيصة. فقال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا" "النساء: 94". ومن أشهر أسباب نزول هذه الآية الكريمة: ما رواه ابن عباس. قال: مر نفر من أصحاب النبي. صلي الله عليه وسلم. علي رجل من بني سليم. معه غنم له. فسلم عليهم. فقالوا: ما سلم عليكم إلا تعوذ منكم. فعمدوا إليه فقتلوه. وأخذوا غنمه. فأتوا بها النبي. صلي الله عليه وسلم. فنزلت الآية: "ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً". وعن ابن عباس. قال: بعث رسول الله. صلي الله عليه وسلم. سرية فيها المقداد بن الأسود. فلما وجدوا القوم. وجدوهم قد تفرقوا. وبقي رجل له مال كثير لم يبرح. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فأهوي إليه المقداد فقتله. فقال له رجل من أصحابه: لأذكرن ذلك للنبي. صلي الله عليه وسلم. فلما قدموا علي النبي. صلي الله عليه وسلم. قالوا: يا رسول الله. إن رجلاً شهد أن لا إله إلا الله. فقتله المقداد؟ فقال: "ادع لي المقداد. يا مقداد أقتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله. فكيف ذلك بلا إله إلا الله غداً؟" فأنزل الله تعالي: "ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً" الآية. معني هذا: أنه يجب علينا أن نصدق الناس فيما أعلنوه عن أنفسهم من عقائد. ولو كانوا كاذبين في الحقيقة» لأن أمر العقائد من الخصوصيات الإنسانية. ولذلك أقرت الشريعة الإسلامية المنافقين علي الإسلام. مع أنهم في الحقيقة أسوأ حالاً من الأعداء غير المسلمين. حتي قال تعالي: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً" "النساء: 145". لكن الحكم علي قلوب الناس فيه انتهاك لآدميتهم وخصوصياتهم. فجاءت الشريعة الإسلامية لتربي المسلمين علي مراعاة خصوصيات الآخرين في أخطر قضية. وهي قضية الاعتقاد. وامتنع النبي. صلي الله عليه وسلم - فيما أخرجه الشيخان - عن الاستجابة لطلب عمر بن الخطاب. أن يضرب عنق عبدالله بن أبي. زعيم المنافقين» لقوله عقب غزوة بني المصطلق: لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. وذلك لخلاف وقع بين رجل من المهاجرين. ورجل من الأنصار. إزدحماً علي الماء. فقال النبي. صلي الله عليه وسلم.: "دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". وبهذا الحديث أسدل الستار عن عقاب المنافقين في الدنيا. لمجرد النفاق. فلا ترفع دعوي قضائية بهذا الشأن.