"الباهية" هو الاسم الذي يطلقه الجزائريون علي مدينة "وهران".. وهي بالفعل تستحقه عن جدارة. فهي المدينة الأجمل في الغرب الجزائري التي يسعي السينمائيون بقوة لكي تلتقط عدسات كاميراتهم روعة شوارعها وجبالها. فهي المشمولة بعطف سيدي الهواري ومدينته وعلي الجبل التي تقبع تحته يطل قبر سيدي عبدالقادي الجيلاني الذي تغني باسمه الشاب خالد وفضيل في الأغنية الشهيرة "عبدالقادر". ولوهران في قلوبنا مكانة كبيرة. وكذلك لمهرجانها الذي نتمني أن يكون الأفضل. كل من تابع الدورة السابعة لمهرجان "وهران" للفيلم العربي بالجزائر حزن جداً للمستوي الذي وصل إليه المهرجان والأزمات المتعددة التي صارت تحدث له وفيه. ودون أي مبرر واضح.. خاصة أن المهرجان يملك إدارة تنظيمية جيدة تمتلك الخبرات والمهارات الإدارية التي تمكنها من تنظيم أي حدث كبير. ولكن سيظل الجانب الفني هو المشكل الرئيسي أمام "وهران" وإدارته في ظل وجود جانب مشرق جداً لا يوجد في مهرجانات أخري. وهو الإقبال الجماهيري الكبير علي العروض السينمائية. ولديه أيضا ميزة نسبية رائعة أنه المهرجان الوحيد الذي يهتم بالسينما العربية فقط وسط كل مهرجانات الوطن العربي. أزمات مهرجان "وهران" تتمثل في التمويل الضخم جداً للمهرجان الذي يجعل الجميع يعتمد علي أن التمويل الجيد سينجح في خلق مهرجان جيد وهي مقولة خاطئة. فأقل المهرجانات العربية تمويلاً هو أنجحها وأكثرها استمرارية علي مدي نصف قرن وهو مهرجان "قليبية" لسينما الهواة بتونس. وهو قبلة كل شباب السينما العربية. ومحج كل صناع السينما الذين يعرفون قيمته رغم صغر حجمه وتمويله. وباعتقاد صناع "وهران" أن كثرة المال تغطي كل الأزمة الفنية التي يعاني منها المهرجان فتلك مقولة خاطئة جداً. تحاول إدارة المهرجان في كل عام أن تستقطب عدداً من نجوم السينما المصرية ومن الأخوة السوريين منهم المكرمون ومنهم ضيوف الشرف. ورغم أنها تصرف آلاف الدولارات علي كل ضيف منهم إلا أنهم لا يستغلون هؤلاء الضيوف بشكل حقيقي. فلا الجمهور شاهدهم في حفل الافتتاح مثلما حدث مع محمود قابيل ودرة في هذا العام. أو سامح الصريطي ورانيا فريد شوقي في العام الماضي. لدرجة أن مذيعة حفل افتتاح دورة 2012 أخطأت في اسميهما. وحاول الجمهور البسيط الذي شاهدهما أن ينادي عليها لتصلح الخطأ ولكنها لم تبال بهم. أي مهرجان عندما يقرر أن يستقطب نجوماً فعليه أن يستخدم هؤلاء النجوم وتلك علاقة نفعية بحتة. فكيف استخدم ميزانية طائلة لهؤلاء الفنانين تصل إلي 5 آلاف دولار لكل شخص منهم ولا يعود للمهرجان مقابل ذلك أي شيء. فلا هم صعدوا علي خشبة المسرح ليراهم الجمهور أو كاميرات القنوات التليفزيونية التي تغطي الحفل. ولا أقيمت ندوة صحفية لهم علي هامش المهرجان. ولا رتبت لهم أي لقاءات مع صحف وقنوات تليفزيونية جزائرية أو عربية من المتابعة للمهرجان. وبذلك خسرت "وهران" إحدي أهم سماتها وهي الحفاوة مع الضيوف الذين خرجوا مستائين رغم ابتسامات الوداع الكاذبة بعد أن أحسوا بتساؤل يرفرف أمامهم.. وهو "لماذا جئنا"؟! ما حدث مع ضيوف الشرف قد يكون أقل مما وجدناه مطروحاً أمامنا في قاعات العرض من أفلام بعضها لا يصلح للمشاركة في مهرجانات ضعيفة المستوي وليس مهرجاناً بحجم "وهران". وليس لأن المهرجان عربي فيجب أن يشارك فيلم من كل بلد. فإذا كان المستوي لا يليق فليس مهماً أن يقدم لنا علي الشاشة الوهرانية هذا المستوي. وأظن أن المخرج والصديق مؤنس خمار المدير الفني للمهرجان مشارك في ذلك بقبوله المسئولية قبل شهرين فقط للمهرجان ودون الاستعانة بمبرمجين محترفين من شباب السينما بالجزائر وهم كثر. الصورة الأوضح لذلك كانت في فيلم "ظل البحر" الإماراتي للمخرج نواف الجناحي الذي عرض في قاعات السينما في 2011 وشارك في أكثر من 20 مهرجاناً ولم يحصل علي جائزة واحدة. ومع ذلك قبل "وهران" أن يشارك في مسابقته الرسمية. في الوقت الذي تصنف فيه قيمة المهرجانات السينمائية بأن مسابقتها الرسمية لا يشارك بها إلا أفلام "عرض أول". والأدهي من ذلك أن الشركة المنتجة للفيلم "ايمج نيشن" ترسل بريداً إلكترونياً لعدد كبير من الصحفيين ونقاد السينما العرب أثناء انعقاد مهرجان "وهران" تعلن فيه عن بدء توزيع الفيلم علي dvd وقدمت فيه كل البيانات عن عرضه في القاعات عام 2011. وعن مشاركاته في مهرجانات أخري. ولم تذكر حصوله علي أي جائزة منها وكأنها تتعمد إحراج "وهران" وعرفت إدارة المهرجان بذلك. ومع هذا فقد تم اختراع جائزة لكي يحصل عليها الفيلم في الختام وهي "أول انطلاقة" ولا أدري ما هي تلك الانطلاقة في فيلم تجاري حاول أن يتشبه بما تقدمه السينما التجارية المصرية. وبمناسبة تلك ليست أول انطلاقات نواف الجناحي ف"ظل البحر" هو فيلمه الثاني. الأزمة الأخري صنعها الفيلم الأردني "لما تضحك موناليزا" الذي كان يعرض علي قناة سينما 1 المشفرة في نفس وقت عرضه بمهرجان "وهران" للفيلم العربي. والمعني أن الفيلم قديم وحقق صناعه أغراضهم منه في عرضه بمهرجانات أو علي dvd وبدأت مرحلة العرض التليفزيوني.