أثمر البحث الفقهي المعاصر عن اتجاه يري عدم مشروعية تحكيم الديمقراطية نظاماً للحكم في بلاد المسلمين. وأن البديل الشرعي للديمقراطية هو نظام الشوري. وهذا اتجاه غالب المتشوفين لعودة الخلافة الإسلامية. ومن أهم أدلتهم ما يلي. "1" أن مصطلح الديمقراطية ومدلوله غريب عن المصطلحات الإسلامية ودلالاتها. فهو بدعة مردودة. لما أخرجه الشيخان عن عائشة أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد". وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". كما أخرج مسلم عن جابر بن عبدالله أن النبي. صلي الله عليه وسلم. كان إذا خطب يقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد. وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة". وقد أجيب عن ذلك : بأن المحدث أو البدعة المردودة هو ما خالف نصاً مقصوداً كالتحريف في الصلاة والصيام. أما ما استحدث لتمكين النص المقصود فهو من الوسائل المشروعة مثل الديمقراطية التي تحقق مقصود الشارع من الشوري في الحكم والتراضي في العقود. "2" أن مصطلح الديمقراطية غربي النشأة. ومرتبط بأفكار وعقائد غير المسلمين. فكان التعامل به محظوراً علي المسلمين. لنهيهم عن التشبه بغيرهم. فقد أخرج الطبراني والترمذي وضعفه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: ليس منا من تشبه بغيرنا. ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصاري. فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع. وإن تسليم النصاري بالأكف". وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتي لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه". قلنا: يا رسول الله. اليهود والنصاري؟ فقال. صلي الله عليه وسلم: "فمن". وقد أجيب عن ذلك: بأن حديث عمرو بن شعيب الذي ورد فيه النهي عن التشبه بغير المسلمين قد ضعفه الترمذي والهيثمي. وعلي التسليم بصحة النهي عن التشبه بغير المسلمين كما في حديث أبي سعيد في الصحيحين فهو خاص بالأمور الدينية أو العبادية التوفيقية التي ورد في شريعتنا نص خاص بها. لعموم قوله تعالي: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" "المائدة :48". وقوله تعالي: "لكم دينكم ولي دين" "الكافرون: 6"..أما ما لم يرد فيه عندنا نص فقد كان النبي. صلي الله عليه وسلم. يحب موافقة أهل الكتاب. لما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس: "أن النبي. صلي الله عليه وسلم. كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء". يقول النووي في شرحه للحديث: اختلف العلماء في تأويل موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه شيء. فقيل: فعله استئلافاً لهم في أول الإسلام. وموافقة لهم علي مخالفة عبدة الأوثان. فلما أغني الله تعالي عن استئلافهم. وأظهر الإسلام علي الدين كله صرح بمخالفتهم في غير شيء منها صبغ الشيب. وقال آخرون: يحتمل أنه أمر باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه شيء. وإنما كان هذا فيما علم أنهم لم يبدلوه. واستدل بعض الأصوليين بهذا الحديث علي أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه. وقال آخرون: بل هذا دليل علي أنه ليس بشرع لنا. لأنه قال: "يحب موافقتهم". فأشار إلي أنه إلي خيرته. ولو كان شرعاً لنا لتحتم اتباعه. أقول : وفي الجملة فإن الديمقراطية ليست من عبادات أهل الكتاب. وإنما هي من الوسائل الإنسانية التي اكتشفها بعض غير المسلمين بالعقل والخبرة الحياتية. فلا ضير علي المسلمين من اقتباسها كسائر الفنون والعلوم الحياتية النافعة.