التطوع هو التقرب إلي الله تعالي بما ليس بفرض من العبادات. ومن أفضل الطاعات: التقرب إلي الله تعالي بما ليس بفرض من الصوم. يدل لذلك ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال عن رب العزة في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي". وأخرج الشيخان من حديث سهل بن سعد. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم. يقال: أين الصائمون. فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم. فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد". كما أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفا". وصوم التطوع حق لكل مسلم قادر عليه ولو كان كبير السن إلا إذا تسبب في مشقة وحرج لصحته. لأنه إذا كان صيام الفريضة - وهو صيام شهر رمضان - يسقط عن كبار السن عند الحرج. فكيف بهم يصومون التطوع. وهو ليس بفرض عليهم؟ يقول تعالي: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" "البقرة: 195". وأخرج الشيخان عن أنس أن النبي - صلي الله عليه وسلم - رأي شيخا يهادي بين ابنيه فقال: "ما هذا؟" قالوا: نذر أن يمشي فقال: "إن الله تعالي عن تعذيب هذا لنفسه لغني". وأمره أن يركب. وأخرج الشيخان من حديث جابر. قال: كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في سفره فرأي زحاما ورجلا قد ضلل عليه. فقال: "ما هذا؟" فقالوا: صائم. فقال - صلي الله عليه وسلم - "ليس من البر الصيام في السفر". وإذا رغب المسلم في صوم التطوع فهل يجوز له أن يداوم عليه؟ لقد اختلف الفقهاء في ذلك علي مذهبين. المذهب الأول: يري أنه يحرم علي المسلم المداومة علي الصوم تطوعا. وهو اختيار ابن خزيمة. وقال الصنعاني: هو الأوجه دليلا: وحجتهم: من السنة والمعقول. أما دليل السنة: فمنه ما أخرجه الشيخان من حديث عبدالله بن عمر. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "لا صام من صام إلي الأبد". وفي رواية لمسلم بلفظ: "لا صام ولا أفطر". يقول ابن العربي في بيان وجه الدلالة: إن هذا اللفظ من النبي - صلي الله عليه وسلم - إن كان دعاء عليه. فيا ويح من دعا عليه النبي - صلي الله عليه وسلم - وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه لم يصم. وإذا لم يصم شرعا فكيف يكتب له ثواب. وأما دليل المعقول فهو ما يترتب علي مداومة الصيام من الضعف ومشابهة المتبتلين أو المترهبنين. وقد ورد النهي عن الرهبانية فيما أخرجه الطبراني عن سعد بن أبي وقاص أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفة السمحة". المذهب الثاني: يري مشروعية المداومة علي الصيام بدون كراهية عند المالكية وبعض الشافعية والحنابلة. وذهب الحنفية وبعض الشافعية والحنابلة إلي كراهة المداومة علي الصيام. وحجتهم: من السنة والمأثور. أما دليل السنة فمنه ما أخرجه ابن السني من حديث أبي هريرة أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "من صام الدهر فقد وهب نفسه من الله عز وجل" قال الصنعاني - وهو من أئمة الحديث المتأخرين - لا ندري ما صحة هذا الحديث. وأما دليل المأثور فما روي أن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم. منهم أبوطلحة. قيل إنه صام بعد موت النبي - صلي الله عليه وسلم - أربعين سنة.