كان من نتائج الغش الدينى الذى مارسه البعض للوصول إلى مقاعد النخب السياسية فى مجلس الشعب الحالى أن كشف النقاب عن الفكر السطحى بمقاصد الشريعة ومنهجيتها حتى تفتق ذهن بعضهم إلى اقتراح مشروع بقانون يجعلنا متقدمين إلى الوراء وليس إلى الأمام وهو مشروع قانون بيت المال الذى وافقت عليه دار الإفتاء متمثلة فى المستشار عادل الزنفلى، وفى غمز صحفى يشير إلى أن تلك الموافقة سياسية لترضية الاتجاه السلفى، جاء عنوان الخبر فى جريدة «المصرى اليوم» أول مايو الماضى: «دار الإفتاء توافق على مشروع قانون سلفى بإنشاء بيت المال». ويثور التساؤل: لماذا اسم «بيت المال»؟ هل لإيهام الناس بأنه اسم دينى عبادى له قدسيته، أو لكونه مستوعباً لموارد الدولة الإسلامية الأولى من الزكاة والخراج والعشور والجزية والفىء وخمس الغنيمة وكأنها موارد توقيفية لميزانية الدولة الإسلامية إيذاناً بعدم الاعتراف بالحضارة المحاسبية فى ميزانية الدولة المعاصرة التى تقوم عليها وزارة الخزانة أو وزارة المالية، التى لا يستوعب بنودها البسطاء. إن الأمر يحتاج إلى وقفة فقهية غيورة على الإسلام لمنع هذا الفكر الرجعى حتى لا نكون محلاً للسخرية إن تركنا الحضارة الإنسانية المعاصرة لعجزنا عن التكيف مع علومها دون المساس بأركان الدين الذاتية، وكأنى بهذا الفكر ينادى بالعودة إلى الخيل والبغال والحمير وسائل لمواصلات المسلمين؛ عملاً بظاهر القرآن الكريم ومنعاً من التشبه بالغرب الملحد الذى ورد النهى عن التشبه به فيما أخرج البخارى عن أبى سعيد أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، قالوا: اليهود والنصارى. قال: «فمن؟»، وأخرج الطبرانى والترمذى وضعف إسناده وقال الألبانى إسناده حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف». والمتأمل فى هذين الحديثين، يجد المعنى الذى ذكروه بعيداً؛ لأن الحديث الثانى ضعفه الترمذى وعلى التسليم بصحته فهو نهى عن التشبه بالشعائر الدينية مثل التحية بالسلام فلا يجوز للمسلم أن يكتفى بالإشارة، أما الحديث الأول فهو يؤكد حصول أتباع المسلمين لطرق ودروب السابقين دون إنكار، بل أخرج الشيخان عن ابن عباس، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء، وأخرج مسلم عن جدامة بنت وهب أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة -وهى أن ترضع المرأة ثم تحمل، أو يأتيها زوجها وهى حامل- فنظرت فى الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر ذلك أولادهم شيئاً»، وكان فى مكنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل الوحى عن حكم الغيلة ولكنه نظر فى الشرق والغرب من أهل الكتاب ومن أهل الشرك لتعلق المسألة بالتجربة والواقع، فاستنبط الحكم من تجربتهم؛ ليعلم المسلمين من بعده أن يتواصلوا مع غيرهم ولا ينقطعوا عنهم فى المصالح الإنسانية، وللحديث بقية بإذن الله تعالى.