المشاركة الوطنية تعني تعايش المسلمين مع غيرهم في وطن واحد يشتركون فيه ويتقاسمون إعماره بينهم مع اعتزاز كل ملة بعقيدتها ودينها. وهذا يختلف عن الوحدة الوطنية التي تعني اتحاد المسلمين مع غيرهم في الوطن الذي يتعايشون فيه بحيث لا يعلو صوت الدين علي صوت الوطن. وقد كان النظام المتبع في الأسرة الإنسانية علي مدار تاريخها الطويل هو نظام المشاركة الوطنية سبيلا للتعايش الحضاري. لقوله تعالي: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" "الحجرات:13". وعندما هاجر النبي. صلي الله عليه وسلم. من مكة إلي المدينة واستقر بها أقام نظام الحياة علي مبدأ المشاركة الوطنية فيما يعرف بصحيفة المدينة التي وقع عليها تسع قبائل مختلفة من اليهود بالاضافة إلي سيدنا رسول الله. صلي الله عليه وسلم. كما ورد ذلك في سيرة ابن هشام. ومما جاء في هذه الصحيفة: "هذا كتاب من محمد النبي. صلي الله عليه وسلم. بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب.. وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.. وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.. ويهود بني الحارث.. ويهود بني ساعدة.. ويهود بني جشم.. ويهود بني الأوس.. ويهود بني ثعلبة.. وجفنة بطن من ثعلبة.. وبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وأن البر دون الإثم.. وأن بينهم النصر علي من حارب أهل هذه الصحيفة". ويتميز نظام المشاركة الوطنية بموافقته للطبيعة البشرية القائمة علي التعددية والاختلاف بين الناس في العقائد واللغات والدرجات. كما قال تعالي: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" "هود:118. 119". وهذا الاختلاف هو سر الإعمار والحضارة. لأن هذا الاختلاف هو الذي يحقق ما يعرف بقانون التدافع المشار إليه في قوله سبحانه: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" "البقرة:351". والشركاء مع اختلافهم حصصا وملة يتفقون بالشراكة علي عصمتهم في مواجهة بعضهم. فلا يملك أحد أن يهدم غيره أو يهلكه. وإن كان لكل أحد أن يبني نفسه أو يقويها. لأن المشاركة تمنح حق المنافسة. والتنافس هو التسابق بنفائس الأمور وأحسنها. كما أخرج الإمام أحمد عن أبي نضرة عمن سمع خطبة النبي. صلي الله عليه وسلم. أيام التشريق فقال: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي علي أعجمي ولا لعجمي علي عربي ولا لأحمر علي أسود ولا لأسود علي أحمر إلا بالتقوي".