أول أمس كان يوماً تاريخياً عكس عبقرية الشعب المصري وأثبت أن هذا الشعب لن يسمح لأي نظام فاسد أو فاشي أو مستبد أن يستمر في الحكم مهما كانت الأسباب ومهما كانت النتائج.. شهد هذا اليوم محاكمة نظامين سابقين.. فشلا في إقناع الشعب المصري بأنهما يعملان من أجله فثار ضدهما وخلع أهدهما وعزل الآخر في ثورتين خلال عامين ونصف.. وجه بهما رسالة قوية للعالم أجمع عنوانها أن الشعب هو صاحب القرار داخل وطنه.. ولن يسمح مستقبلاً لأي كائن من كان أن يتدخل في شئونه أو يفرض عليه شروطه أو إرادته. فنظام مبارك الذي عاث في الأرض فساداً وسرق ونهب كل ثروات هذا الوطن وكان عنواناً لإفقار الشعب.. تزوج فيه المال بالسلطة ونتج عنه الثراء الفاحش للطبقة الحاكمة والقريبة منها.. وازدادت الممارسات الاحتكارية لهذه الطبقة فأدت لمزيد من الفقر لباقي فئات الشعب.. فكانت الثورة الشعبية الأولي في 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك المستبد والفاسد بعد أن تلوثت يداه بدماء المصريين الذين تم قتلهم خلال الأيام الأولي من المظاهرات. أما نظام الإخوان أو ما أطلق عليه تيار الإسلام السياسي والذي قفز علي ثورة المصريين في 25 يناير ووصل إلي كرسي الحكم.. فلم يكن أفضل من سابقه.. بل استطاع في عام واحد أن ينال بجدارة كراهية الشعب المصري كله وبمختلف فئاته وطوائفه.. بعد أن تفرغ النظام وأتباعه للتمكن من كل مؤسسات الدولة.. ولم يكن يعمل يوماً لمصلحة هذا الوطن.. بل علي العكس تجاهل كل مصالحه وازدادت معاناة الشعب وتفاقمت مشكلاته وأزماته حتي وصلت إلي طريق مسدود.. إضافة إلي علاقاته المشبوهة بجماعات ودول لها في مصر مآرب أخري.. فكانت الموجة الثانية للثورة علي الظلم والمتاجرة بالدين والإضرار بمصالح الوطن والمواطنين في 30 يونيه والتي عزل فيها الشعب والجيش هذا النظام المتغطرس.. ولأنهم لا يقدرون مصالح الشعوب فقد ظهروا علي حقيقتهم الدموية الفاشية وهاجموا مؤسسات الدولة وحاولوا إحراقها وتدميرها وزادوا من موجات العنف والإرهاب فكان استهدافهم لضباط وأفراد الجيش والشرطة بالقتل والتمثيل بالجثث واقتحام الأقسام والمراكز الشرطية وإحراق الكنائس مستخدمين عناصر إرهابية من خارج البلاد لترويع المواطنين.. وكرروا ما حدث في الأيام الأولي لثورة 25 يناير عندما اقتحموا السجون واعتدوا علي أقسام الشرطة واستولوا علي السلاح والذخيرة ليحاربون به الشعب وجيشه.. وكأنهم في سباق مع أنفسهم للخروج للأبد من الحياة السياسية المصرية بعد أن أصبحوا محاصرين أمنياً وشعبياً واللحاق بنظام مبارك. لذلك كله كانت المحاكمة والقول الفصل للقضاء والقانون للقصاص من القتلة وسفاكي الدماء في النظامين الفاشلين الفاسدين ورموزهما وقياداتهما.. لما ارتكبوه في حق هذا الشعب العظيم.. ليثبت الشعب المصري قوته وقدرته علي اختيار حكامه بنفسه غير عابيء بمواقف القوي الدولية المنحازة كأمريكا وتركيا وقطر.. شاكراً في نفس الوقت الموقف العربي المشرف والمشكور والذي ساهم إلي حد كبير في تغيير بعض المواقف الأوروبية تجاه ما حدث في مصر.. وليتخذ الجميع العظة والعبرة والدرس من عبقرية هذا الشعب العظيم. برواز الفن رسالة.. ويجب أن تكون رسالة سامية تعكس نبض المجتمع تجاه كل ما يحدث بداخله سواء كان سلبياً أو إيجابياً.. ظهر ذلك بوضوح خلال الأحداث الأخيرة عندما تباري فنانو مصر في أوبريت "تسلم الأيادي" الذي عبر عن الحب غير العادي من الشعب المصري لقواته المسلحة علي مر العصور والأزمان.. وخاصة بعد أن انحازت إلي صفوف ثورة الشعب ضد الظلم والاستبداد.. تكرر ذلك أيضاً في أوبريت "شكراً للأمة العربية" والذي يوجه الشكر بكل الحب والإعزاز والتقدير لكل شعوب ورؤساء الدول العربية التي وقفت بحب وتقدير إلي جانب مصر وشعبها في أزمتها الأخيرة.. وأعاد إلي الأذهان أوبريت "الحلم العربي".. هذه الروح الجميلة التي عكسها الفن المصري تعطي انطباعاً بأن الشعب المصري يحب من يحبه.. ويقدر كل من يقف إلي جانبه خاصة وقت الشدائد.. عاشت الأمة العربية وعاش الفن المصري وعاش أحباء مصر.