الليلة في اللغة تطلق علي القدر المعين من الزمن الذي يبدأ من غروب الشمس إلي طلوع الفجر. ويقابلها النهار. والقدر في اللغة يطلق علي الشرف والوقار. كما يطلق علي التضييق والقضاء. ومن هنا اختلف الفقهاء في المراد من القدر الذي أضيفت إليه الليلة. فقيل : المراد بالقدر التعظيم والتشريف. ومنه قوله تعالي : "وما قدروا الله حق قدره" "الزمر : 67" والمعني أنها ليلة ذات قدر وشرف لنزول القرآن فيها. أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وشرف. وقيل : المراد بالقدر هنا التضييق. ومنه قوله تعالي : "ومن قدر عليه رزقه" "الطلاق : 7" والمعني أنها ليلة مضيق علي الناس معرفتها بالتعيين. أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة. وقيل : المراد بالقدر هنا القدر. وهو مؤاخي القضاء أي بمعني الحكم والفصل والقضاء. لأن الملائكة تكتب فيها الأرزاق والآجال وغير ذلك مما سيقع في هذه السنة بأمر الله سبحانه. كما قال تعالي : "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين" "الدخان : 3 5". وقد نص الفقهاء علي أن ليلة القدر هي أفضل الليالي. وأن العمل الصالح فيها خير من العمل الصالح في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. كما قال تعالي : "ليلة القدر خير من ألف شهر" "القدر : 3". ومن فضلها أيضاً : هبوط الملائكة إلي الأرض يؤمنون علي دعاء الناس إلي وقت طلوع الفجر. كما قال تعالي : "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" "القدر : 4" ومن فضلها أيضاً. كما قال الضحاك. أن الله تعالي لا يقدر فيها إلا السلامة. وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة. وقال مجاهد : هي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذي كما قال تعالي : "سلام هي حتي مطلع الفجر" "القدر : 5". وأما علامات ليلة القدر فقد أقر بها العلماء بصفة عامة. وقالوا : إن علامات ليلة القدر يراها من شاء الله من عباده في كل سنة من رمضان. لأن الأحاديث وأخبار الصالحين تظاهرت عليها. فمنها ما أخرجه أحمد برجال ثقات عن عبادة بن الصامت. أن النبي صلي الله عليه وسلم. قال : "ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبتهن فإن الله تبارك وتعالي يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة" وقال صلي الله عليه وسلم : إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة "ضوء الصبح عند انصداع الفجر" كأن فيها قمراً ساطعاً ساكنة ساجية "هادئة علي السجية والطبيعة" لا برد فيها ولا حر. ولا يحَّل لكوكب أن يرمي به فيها حتي تصبح. وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر. ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ". وقد اتفق العلماء علي أنه يستحب لمن رأي ليلة القدر أن يكتمها. منعاً من الرياء. وحتي لا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس. فضلاً عن منع التحاسد. قال ابن حجر : ويستأنس لذلك بقول يعقوب عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام : "يا بني لا تقصص رؤياك علي اخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين" "يوسف : 5".