لم أستطع صبراً علي أبي جهل. الذي استضافه اللبناني طوني خليفة. في قناة القاهرة والناس.. فكان لابد أن أصفعه بمحول القنوات.. مغلقاً القناة في وجهه.. وحاجباً عن سمعي أكاذيبه وافتراءاته.. أنا لا أسعي عادة إلي هذه البرامج أو غيرها.. كما لا أضع نفسي عبداً لمسلسلات أتابعها.. وأجلس أمامها يوماً بعد يوم.. أضن بوقتي.. وبسمعي أيضاً عن أن تصدمه تلك الشتائم والبذاءات التي أصبحت طابع هذه المسلسلات للأسف.. وأنأي بنفسي عن كل هذا.. فلدي الكثير مما يشغلني عن متابعة التفاهات والاستماع إلي البذاءات. الحظ السييء وحده أسلمني إلي ذلك البرنامج وأنا أتنقل بين بعض القنوات باحثاً عن الأخبار.. وبدلاً من أن أسمع البذاءات والشتائم سمعت ما هو أشد هولا.. سمعت قدرا لا يمكن تحمله من المغالطات وقلب الحقائق.. وهو أمر لا يقدر عليه إلا من كان أبوجهل حقاً.. هكذا لم أستمر.. وأرحت نفسي.. ولعل غيري فعل نفس الشيء.. ولكن هناك أيضاً من كانت لديه مقدرة الصبر علي تلك الأكاذيب.. ثم أتاح لقلمه بعد ذلك أن يكشف للقراء جانباً من ذلك الهراء.. وقد قرأت كلمات لبعض الذين علقوا.. ولكني أكتفي بأن أورد منها ما قاله د.مصطفي الفقي.. ونشره أول أمس في اليوم السابع: "إن حكم الإخوان قد أكد لنا أن المشكلة لا تكمن في نقص الكفاءة وضعف الخبرة فقط. ولكنها تكمن في أيدلوجية تؤمن "بالأممية" علي حساب الوطن.. ولقد أفزعني كثيراً ما ذكره القيادي الإخواني "أبو........." في أحد البرامج التليفزيونية حيث رأي بوضوح أن علم جماعة "الإخوان المسلمين" لا يعلوه علم الوطن. ولا حتي اسم الله جل جلاله. وظل "أبو........." يراوغ بشكل مكشوف. معبراً عن قناعة مريضة تؤكد أن الانتماء للجماعة لا يعلوه انتماء آخر. ذلك في ظني هي الخطيئة الكبري في فكر الإخوان. الذين لا يتذكرون أن نبي الإسلام بكي عندما أخرجه الكفار من مكة وطنه الأول. ولذلك فإني أطالب بالتوقف عن استخدام تعبير "التيار الإسلامي" في مواجهة "تيار ليبرالي".. إذ إن التسمية الحقيقية والتوصيف الصحيح هي "تيار أممي" في مواجهة "تيار وطني".. أو "قل تيار إخواني" في مواجهة "تيار وطني".. والواضح أننا نواجه أناساً فقدوا نعمة الخجل.. واكتسبت بعض قياداتهم مع عمي القلوب عمي الإبصار.. فلم يعودوا يدركون الحقائق الساطعة التي لا سبيل إلي إنكارها.. وسيطرت عليهم الرغبة في إنكار كل شيء.. والرغبة في الخروج سالمين رغم كم الجرائم التي يمكن أن تجرهم إلي القضاء.. وحتي يمكنهم ذلك.. يتوهمون أن الاستمرار في تضليل من غسلوا أمخاخهم يؤخر اللحظة الحاسمة.. التي سيجدون أنفسهم فيها تحت طائلة القانون.. بل هم يتوهمون أنهم بالتصعيد والتحريض سينجون منها.. أبوجهل آخر.. ممن يكتبون في "الغروب".. التي أصبحت لسان حال الفئة الضالة.. يسخر كلمته يومياً لأكاذيب ينشرها مدافعاً عن جماعته.. ويزعم في واحد من أكاذيبه أن كل من شارك في 30 يونيه من المصريين لم يتجاوزوا المليون مصري. هكذا يري عشرات الملايين "33 مليوناً" مجرد مليون واحد.. يري السلاسل البشرية التي امتدت من الدقي والجيزة عبر كوبري قصر النيل.. ثم التحرير.. وكل الشوارع المتصلة به.. ثم تمتد من التحرير عبر رمسيس إلي العباسية والاتحادية.. ثم تلتحم الاتحادية بكل شوارع مصر الجديدة.. ويحدث نفس الشيء في الإسكندرية.. وبورسعيد.. وطنطا.. والمحلة.. وفي الأقصر وأسوان.. وفي كل مدن مصر.. وفي قراها.. لأول مرة في تاريخ مصر.. يري كل هذا مليوناً واحداً.. ولكي يكون أبوجهل "الغروب" دقيقاً.. وينفي عن نفسه عمي البصر وعمي القلب.. فإنه يقدر عدد من نزل من القاهرة في ذلك اليوم الخالد في تاريخ مصر.. بل وتاريخ البشرية كلها.. فقط مع الكرم الشديد.. كما يقول: بنحو أربعمائة ألف شخص فقط.. ثم يزداد كرمه.. رغم حساباته الدقيقة.. ويرفع هذا العدد إلي مليون مواطن.. بإضافة باقي المواطنين الذين خرجوا في كل أنحاء مصر.. كل هؤلاء معاً هم فقط مليون شخص.. وهكذا تعمي القلوب.. وتعمي الأبصار.. فلا تري أن شعب مصر كله قد خرج ليسقط حكماً فاسداً.. وحاكماً جائراً.. وهذا العمي نفسه.. يري عدد أنصار "الشرعية والشريعة"..!! في رابعة العدوية أربعة ملايين مواطن.. هل من شيء يقال عن أبي جهل "1".. وأبي جهل "2".. ومن علي شاكلتهما.. غير دعاء إلي الله أن يديم عليهم نعمة العمي.. طالما أنهم يرتاحون إليها.. ويطمئنون إلي نتائجها مع حشد ملايينهم الأربعة في رابعة العدوية.. من ذوي الحاجات ممن شحنوهم من أقاليم مصر.. واحتجزوهم في إشارة رابعة العدوية.. ويبعثون منهم في كل يوم بسرايا تهاجم الطرق الكباري.. وتنال نصيبها من ازدراء واحتقار وعداء باقي المواطنين الذين يزدادون كرهاً وحنقاً في كل يوم لهذه التصرفات البائسة والطائشة.. ألم يحن الوقت بعد لكي يدركوا أن السبيل الوحيد أمامهم هو الانصياع لإرادة الغالبية العظمي من الشعب.. وأن يراجعوا أنفسهم.. ويتدارسوا أخطاءهم.. ويدركوا أنه لا فائدة مما يخططون له من عنف.. وإسالة للدماء.. غير المزيد من نفور باقي شركاء الوطن.. إن كانوا يضعون الوطن في حسابهم؟! وغير المزيد من الفرص الضائعة.. ربما لأجيال عديدة قادمة؟!