استوقفتني ظاهرة خفة ظل المكفوفين رغم ما يعانونه من ظلام دامس وقدرتهم علي تحويل هذا الظلام إلي نور يضيء حياتهم. من أشهر هذه الشخصيات الموسيقار عمار الشريعي الذي عرف عنه روح الدعابة ونشر البهجة والقفشات في كل جلساته مع الناس ويذكر في أحد المواقف أن المطربين عبداللطيف التلباني وماهر العطار طرحا عليه أمر عمل فيلم يتشاركان فيه البطولة معه "فما كان من عمار الشريعي سوي قول: "هي الناس طايقة تسمعكوا لما تشوفكوا أنتم الاثنين في فيلم". هكذا كانت أحاديث عمار تبعث علي النفس السرور ولا يختلف الموسيقار سيد مكاوي هو الآخر عن الشريعي فقد كان ابن نكتة وكانت نبرات صوته تحمل المرح والفكاهة والبسمة لا تفارق وجهه. روي عن نوادره مع أم كلثوم حيث كان يسجل معه بروفات أغنية "يا مسهرني" تأخيره الدائم علي مواعيدها وقد كانت أم كلثوم حريصة علي الالتزام بالمواعيد لدرجة انها كادت تلغي التعامل مع مكاوي وإلغاء الأغنية لولا خفة دم مكاوي حيث أقنعها في إحدي المرات أن السائق تأخر عليه فما كان منه سوي قيادة السيارة بنفسه وكسر كل الإشارات للوصول إليها.. فضحكت أم كلثوم وتجاوزت عن ذلك. أما الشيخ كشك الداعية الديني كان يفجِّر الضحكات أثناء تحليله للحرام والحلال من خلال انتقاده للفنانين والمطربين علي سبيل المثال فقد وصف عبدالحليم حافظ بأنه صاحب المعجزتين معجزة "تنفسه في الماء" من غنائه لأغنية "رسالة من تحت الماء" والمعجزة الثانية مسكه ل "الهواء" في أغنية "زي الهوا". علي الجانب الآخر يعاني الصم والبكم من حدة المزاج والعصبية بشكل ملحوظ. من أشهر هذه النماذج "بيتهوفن" وباعترافه علي نفسه في حدة المزاج قال "لقد ولدت حاد المزاج مرهف الإحساس ولكنني سرعان ما اضطررت إلي الانسحاب من الحياة العامة واللجوء إلي الوحدة عندما كنت أحاول التغلب علي ذلك ولم يكن بوسعي أن أقول للناس "ارفعوا أصواتكم صيحوا" فأنا أصم يا لشدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت "الناي" لا أستطيع سماعه أو يسمع أحد غناء أحد الرعاة بينما أنا لا أسمع شيئاً كل هذا كاد يدفعني إلي اليأس. تناولنا تحليل السلوكين للمكفوفين والصم من خلال أساتذة النفس والاجتماع. فراغ حسي د.محمد خطاب أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس يقول تأتي حاسة السمع عند القرآن الكريم مقدمة عن كل حواس الإنسان وهذا يعطي لها أهمية كبيرة حيث إن الترتيب عند القرآن له مدلول هام وليس جزافيا. فمن خلال هذه الحاسة يتم إدخال المعلومات والتعامل مع الأشياء ومن يعاني من فقدان هذه الحاسة يشعرون بفراغ حسي بينما المكفوف يعوض حاسة فقد البصر بحاسة السمع الدقيقة. وقد قال طه حسين: إنه يري بأذنيه. أما الأصم فلا توجد حاسة تعوضه ذلك سوي الإشارة وفي دول العالم الثالث هناك أمية في لغة الإشارة والرعاية للفئات الخاصة محدودة وصعوبة هذا التواصل بين الأصم والعالم الاخر يشكل له عبئا نفسيا. يضيف أن المعاق الأصم عنده مشكلة مركبة هي فقد اللغة أيضاً فالشعور بالقيد في عدم استخراج صوت يعبر عن فرحه أو ألمه يزيد الأمر تعقيداً. دكتور طلعت السروجي أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها: يري أن خفة ظل الكفيف نابعة من حاسة فقد البصر بمعني التكيف علي الإعاقة وتحويلها إلي خيال يعيش فيه يعوضه في ذلك القدرة علي الالتقاط الدقيق معتمداً علي حاسة السمع التي يتفوق فيها عن غيره من المبصرين وبهذا الالتقاط يبني صورة في خياله للشخصية والعالم الذي يعيش فيها ويستعيض عن الصورة الحقيقية بصورة من صنع إبداعه ولذا نجد كثيرا منهم مبتكرين ومبدعين في الفن والشعر. من الناحية الأخري يوضح أن الأصم يعاني من إعاقتين وليست واحدة ويزيد الأمر صعوبة التفاعل السلبي من المجتمع وعدم الاستجابة لحاجتهم الاجتماعية. يشير إلي معالجة انفعال الصم يجب أن تبدأ من الإعلام فهو الأوسع انتشاراً فمن خلال برنامج لتعليم الإشارة يعطي مفهوم التواصل أيضاً يجب تخصيص مترجم إشارة للصم والبكم في كل مكان حكومي أو خدمي ويلقي الضوء علي تجربة مسجد السيدة زينب يوم الجمعة حيث يوجد مترجم إشارة لهم يوصل خطبة الجمعة. حالات تشنج دكتور صلاح السيد إخصائي التخاطب بجامعة عين شمس يقول لا شك أن الحالة النفسية تؤثر علي معاقي السمح والكلام سواء كان من مرضي العمر الكلي أو الجزئي. يضيف من خلال تعاملي مع متأخري وفاقدي النطق سجلت الكثير من حالات حدة المزاج والانفعال لدرجة تقل إلي حالات التشنج وما يصاحبها من أعراض إحمرار الوجه والتصبب عرقاً. ويشير إلي أن غياب لغة التخاطب بينهم وبين المجتمع يساعد علي تفاقم الأزمة النفسية فكثير من المعاقين في مختلف إعاقتهم يتغلبون عليها طالما وصلوا إلي أدوات تجعلهم يتكيفون معها لأن الإعاقة تصبح مركبة ومتحورة في حالة عدم التغلب عليها.