مظاهرات مليونية سادت شوارع وميادين المدن التركية والبرازيلية في صورة اعتبرها البعض موجة جديدة من موجات الربيع العربي. بينما يراها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مؤامرة خارجية ضد اقتصاد تركيا والبرازيل حين قال إن "اللعبة نفسها. والرموز نفسها. واللافتات نفسها. خاصة تغريدات تويتر. وفيس بوك. وتناول الإعلام الدولي. ويتم قيادة الاحتجاجات من المراكز نفسها. يريدون أن يتوصلوا في البرازيل إلي ما أخفقوا فيه في تركيا اللعبة نفسها. والفخ نفسه" رفع سعر تذاكر النقل العام في الوقت الذي تم تخصيص ما يقرب من 11 مليار يورو لتنظيم كأس العالم لكرة القدم في 2014 كانت شرارة بدء الاحتجاجات في البرازيل. في حين كان تحويل أحدي الحدائق التاريخية التي تحتوي علي النصب التذكاري لأتاتورك إلي مركز تجاري السبب وراء خروج الأتراك إلي الشوارع للمطالبة بالتراجع عن هذا القرار ثم باستقالة رجب طيب أردوغان. ما يحدث في تركيا والبرازيل قد لا يعتبره البعض موجة جديدة من موجات الربيع العربي. لأن الربيع التركي كما يقول أردوغان قد بدأ في عام 2002 عندما تغير النظام السياسي من حكم المؤسسة العسكرية إلي حكم حزب العدالة والتنمية. بل يعتبرونه انتفاضة ضد بعض السياسات في كلا البلدين. برغم ما حققه حزب العدالة والتنمية من حرية سياسية وقيام دولة مدنية واقتصاد مثالي انعكس في انخفاض معدل البطالة وارتفاع مستوي معيشة الفرد وحجم نمو بلغ في بعض الأحيان 9% وتسديد معظم ديون تركيا للمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي. إلا أن ذلك لم ينعكس علي حال الطبقة الوسطي التي تقوم بالتظاهرات هناك سياسات أخري كالتدخل في القضية السورية والعراق بالإضافة إلي القضية الكردية وتولي أنصار حزب العدالة والتنمية المناصب العليا في الدولة ربما الأسباب الحقيقية وراء ما يحدث. البرازيل هي الأخري حققت نجاحا اقتصاديا مثاليا بعد أن احتلت المرتبة السابعة عالميا من حيث حجم الاقتصاد. غير أن الفساد السياسي والإداري مازال منتشرا في مختلف مؤسسات الدولة رغم الجهود المبذولة لمكافحته. ما يحدث في تركيا والبرازيل هو ثمرة تزايد الوعي لدي المواطنين وتزايد درايتهم بحقوقهم. وهو أيضا نتيجة شعور القيادة السياسية في كلا البلدين ب "الثقة الزائدة" صاحبتها تباهي بما تم تحقيقه من إنجازات وتجاهل مطالب أساسية أخري ينتظر المواطنون تحقيقها. طريقة تعامل القيادة السياسية مع تلك الأحداث هو الذي سيحكم مسار ومستوي تلك التظاهرات فالاحتجاجات في تركيا كانت صغيرة رافضة لقرار معين لكن تعنت القيادة التركية مع المتظاهرين ووصفهم بالارهابيين والمتطرفين ورفضها التراجع عن القرار وتعامل الشرطة بعنف معهم أدي إلي مزيد من الاصرار من قبل المواطنون علي مطلبهم وتزايد أعدادهم. أما التعامل العقلاني للرئيسية البرازيلية مع المتظاهرون ربما قد يؤدي إلي تراجع المواطنين فبرغم حالات العنف التي سادت الميادين البرازيلية لم توجه الرئيسة البرازيلية أي إتهام أو سب للمعارضة بل احترمت حقهم في التظاهر السلمي وكشفت عن سعيها لتطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية متعهدة بتطوير المواصلات العامة والخدمات الصحية. أنقرة وسان باولوا كلاهما يواجههان تظاهرات ضخمة لكن اختلفت طريقة تعامل القيادة السياسية مع تلك التظاهرات الرئيسية البرازيلية استفادت مما حدث في الربيع العربي بينما تجاهل أردوغان تلك التجارب ورأي أن هناك اختلاف بين المجتمع التركي والمجتمعات العربية. فالأول عاش الديمقراطية والحرية السياسية مع تولي العدالة والتنمية الحكم. بينما المجتمعات الثانية مازالت تتوق لنيل الديمقراطية الحقيقية. لذلك استبعد أردوغان أن تكون تلك التظاهرات موجة من موجات الربيع العربي. الخلاصة أن مزيد من تعنت القيادة السياسية يقابله ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين كما حدث أثناء الثورة المصرية فقد بدأ المصريون بمطلب بسيط وهو إقالة وزير الداخلية وانتهت باسقاط النظام.. مع التقليل من شأن ما يحدث في الميدان والتعامل العنيف. فإذا كان أردوغان يري أن الموقف في البرازيل وتركيا واحد فعليه أن يستفيد مما حدث في الثورات العربية والاسلوب البرازيلي في التعامل مع الأزمة للحفاظ علي النظام.