مع أن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد حقق طفرة اقتصادية صعدت بتركيا إلي مصاف الدول الكبري في فترة وجيزة من عمر التاريخ. فإن المفارقة أن تثور احتجاجات ضده في المدينة نفسها التي أوصلت أردوغان إلي سدة الحكم, تلك المدينة التي أعاد لها أردوغان وجهها الحضاري, وجعل منها ومن تركيا قوة إقليمية واقتصادية كبري رفعت من متوسط دخل المواطن التركي إلي ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشرة الأخيرة وصل إلي نحو18 ألف دولار, فلماذا اتسعت هذه الاحتجاجات وأجبرت أردوغان علي التراجع وسحب قوات الشرطة من ميدان تقسيم؟ ربما تكون الإجابة عن هذا في تصريح أحد الشباب لوكالة أنباء الشرق الأوسط وهي الحرية, إذ قال هذا الشاب ويدعي جوكالب إن جميع المتظاهرين يرغبون في الحرية, وعلي الحكومة التي حظرت الخمر وضيقت علي حريات المواطنين وانتهي بها الأمر أن تقضي علي الأشجار باسطنبول أن تستقيل. وقد اتهم المتظاهرون أردوغان بالديكتاتور حتي ان متظاهر آخر كيزبلاي ويدعي اسماعيل وهو باحث وعضو بحزب الحرية والتضامن, قال إن هذه الاحتجاجات ليست فقط انتفاضة غضب لما يجري في ميدان تقسيم ولكن أيضا بسبب تعنت الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية, مما يفسر سرعة امتداد التظاهرات من اسطنبول الي أنقرة وأزمير ومناطق أخري في البلاد. المهم ان احترام القانون ربما يكون أحد الأدوات الأخري التي ساعدت علي تصاعد وتيرة الاحتجاجات خاصة أن المحكمة الإدارية السادسة في اسطنبول قد أصدرت قرارا بايقاف هدم الحديقة الذي جاء بناء علي الشكوي التي تقدمت بها جمعية المحافظة علي الآثار والمتنزهات الأمر الذي اعتبره الشباب عدم احترام الحكومة التركية للقانون. وعلي جانب آخر ركبت المعارضة التركية موجة التظاهرات إذ طلب زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو من رئيس الوزراء أن يصدر تعليماته فورا بسحب قوات الشرطة وعدم التدخل في حرية المتظاهرين في أن يحتجوا سلميا, مضيفا في تصريح خطي موجه لاردوغان إذا كنت انسانا يحترم الديمقراطية والقانون, فيجب عليك أن تنفذ قرار المحكمة. كما استغل حزب الحركة القومية التعامل المفرط للشرطة مع المتظاهرين بالدبابات وقنابل الغاز والقبض علي المتظاهرين حيث أعلن وزير الداخلية التركي عن القبض علي939 متظاهرا مما يشير الي حدة التظاهرات حيث قال زعيم الحزب دولت بهشلي إن المتظاهرين لا يحملون هدفا سياسيا وإنما لحماية البيئة. ويبدو أن الأستخدام المفرط للقوة هو مازاد اهتمام وسائل الإعلام المرئية والمقروءة بالتظاهرات في حديقة جيزية بارك حيث انتقدت بشدة الصحف العلمانية أساليب قوات الشرطة المفرطة حيث قالت صحيفة يني جاغ نحن في تركيا ولسنا في فلسطين وتساءلت صحيفة حريت هل سيتحول ميدان تقسيم إلي ميدان التحرير وجاء مانشيت صحيفة ميلليت تحت عنوان الربيع التركي وجاءت تغطية صحيفة جمهورييت تحت عنوان اعتراضات علي مواقف حكومة اردوغان فيما أكدت الصحف الموالية لحكومة العدالة والتنمية أن بعض المجاميع بدأت بأعمال التحريض والفوضي مستغلة التظاهرات وحالة الاحتقان. وذكرت وكالة الانباء الفرنسية مشهدا آخر من الصورة, فبعد أكثر من24 ساعة من المواجهات العنيفة مع الشرطة احتفل الالاف من المتظاهرين أمس بالانتصار علي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان, قائلين له نحن هنا ياطيب أين انت؟ وقامت مجموعة من المتظاهرين بتغطية النصب التذكاري لمؤسس تركيا الحديثة مصطفي كمال اتاتورك بالاعلام الملونة. وبالنتيجة فان الحكومة التركية متهمة من قبل المعارضة بالعمل علي أسلمة المجتمع التركي مما أدي إلي تصاعد الغضب نحوها, ضيقا من الاجراءات التي ذكرتها سيدة حسب وكالة الانباء الفرنسية قائلة ان الحكومة تمارس الضغوط في كل شيء أنجب ثلاثة أطفال لا اثنين فقط, لا تشرب الخمر, لا تدخن, لا تسر في الطريق ويدك في يد حبيبك أو حبيبتك اذا لم تكن العلاقة جدية, مسترحمة علي عصر أتاتورك حيث كانت الحرية في كل شيء مضيفة أن الحكومة الحالية لاتفهمنا.