غاصت الزوجة الفاتنة في حيرتها وهي تجلس في قاعة محكمة الأسرة التي لم تتخيل أن تدخلها ذات يوم في حياتها.. ظلت تترقب في صبر نافذ نظر قضية الخلع التي رفعتها والأفكار والأماني تتماوج برأسها.. وحين انطلق صوت الحاجب ينادي علي اسمها هبت من مقعدها ودقات قلبها تتسابق وبخطي متثاقلة تقدمت إلي المنصة ووقفت بجوار محاميها وهي تشعر أن قدميها تعجزان عن حملها من هيبة الموقف. علي الجانب الآخر كان يقف زوجها المحاسب الشاب ينظر نحوها مبهوتاً ويرمقها بسهام من نظرات الضيق والضجر والوعيد. في البداية سألها القاضي هل تقبلين بالتصالح مع زوجك.. ارتسمت علي ملامحها مسحة من الحزن والألم وهزت رأسها بالنفي.. ثم انسابت دموعها علي خديها وقالت في أسي.. آخر ما كنت أتوقعه يا سيدي القاضي أن أقف في هذا المكان ويكون خصمي هو زوجي "أبو بناتي" الذي طالما خفق قلبي له لكن فاض بي الكيل بعد أن تحملت منه ومن عائلته من الجراح والآلام ما تنوء الجبال عن حمله.. فرغم أن زواجنا لم يمض عليه سوي أربعة سنوات إلا أنها مرت ثقيلة. مريرة. تعيسة وكأنها دهر. توقفت برهة هطلت خلالها دموعها الحزينة كحبات المطر في صمت ثم استرسلت تروي فصول مأساتها من بدايتها قائلة: بعد قصة حب مشتعلة جمعت بيني وبين زوجي تم زواجنا في بيت عائلته واعتقدت أنني علي موعد مع السعادة والهناء لكنني كنت واهمة.. فمن الأسبوع الأول في شهر العسل أصدرت "حماتي" فرماناً أن تكون معيشتنا مشتركة مع بقية أفراد عائلة زوجي التي تقطن في نفس العقار ولا استقل بشقتي الأنيقة. ولم يكن بوسعي ساعتها مناقشتها أو رفع راية العصيان في وجهها فرضخت لرغبتها علي مضض والنيران تشتعل داخل صدري.. ومنذ ذلك الحين فقدت اعتباري وكياني وشعوري بالحرية مع زوجي.. وتشابهت الأيام حتي فقدت الإحساس بمرورها. ووجدت نفسي فجأة وأنا الفتاة الجامعية بنت الأكابر كالخادمة في "بيت العيلة" أقضي طوال يومي في شقة "حماتي" أقوم بمعاونتها في شئون المنزل ولا أصعد إلي شقتي إلا حين يرخي الليل استاره السوداء ويحل الظلام وأنا متعبة منهكة القوي. إليه ما أعانيه من تصرفات شقيقاته "العقارب" وكيدهن لي.. وتعمدهن إهانتي في أي مناسبة ولا يحاول أن يضمد جراحي ولو بكلمة حانية بعد أن حل الجفاء الصامت بيننا.. ولم يعد ذلك الحبيب القديم الذي كان لا يألو جهداً لإسعاد محبوبته.. وأبحرت سفيتنا منذ ذلك الحين في بحر من الأنواء والقلاقل والعواصف.. والأدهي من ذلك يا سيدي القاضي أنني اكتشفت ضعف شخصيته أمام والدته وشقيقاته فهو "كالعجينة" الهشة في يد "الست والدته" تشكلها كيف تشاء.. فهي تشخط. تأمر. تنهي. تدس أنفها في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا حتي بدا زوجي أمام عيني وكأنه "خيال مآتة" واكتشفت أنني أعيش في بيت عائلته كالأجيرة "بلقمتي" محرومة من متاع الدنيا مكبلة بقيود تنغص حياتي.. فالخروج من البيت أو شم الهواء الطلق أو حتي الوقوف في الشرفة ممنوع.. الكمبيوتر أو الفيس بوك أو التويتر محظور.. أما زياراتي لأسرتي فعلي فترات متباعدة.. باختصار كنت أشعر أنني أعيش داخل سجن وحبيسة بين أربع جدران. ورغم كل ذلك تحاملت علي نفسي وابتلعت همومي وأحزاني من أجل بنتاي فقد رزقني الله بزهرتين جميلتين هما قرة عيني ونقطة ضعفي الوحيدة. كنت أجد سلواي في رعايتهما والعناية بهما.. حتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير حين نشبت مشادة حامية بيني وبين زوجي عندما منعني من الذهاب لحضور حفل زفاف صديقتي دون تقديم تفسير أو مبرراً مقبول وتدخلت حماتي المصونة وبدلاً من تهدئة الموقف أشعلته حين عنفتني علي انفعالي وصوتي العالي فاستشاط زوجي غضباً وانهال علي بالضرب دون رحمة أو هوادة حتي سالت الدماء من شفتاي وطردني من البيت شر طردة أمام الجيران.. اسودت الدنيا أمام عيني وضاقت بي الأرض بما رحبت.. وقبعت في بيت أبي مهزومة.. منكسرة النفس شاردة الذهن وفي حالة يرثي لها.. وظللت شهرين انتظر علي أحر من الجمر مجيئه لمصالحتي لكنه لم يفعل.. فرفعت تلك الدعوي لأسترد حريتي وأطوي تلك الصفحة من حياتي. وقف الزوج واجماً ثم طلب من المحكمة تأجيل الجلسة لإتاحة الفرصة أمام الأهل للتدخل بينهما للصلح ثم فجر مفاجأة حين قال أنا لا أستغني عن زوجتي يا سيدي القاضي ولا أتخيل حياتي بدونها هي وطفلتاي.. ولا أرضي لفلذتي كبدي أن تشبان ممزقتان بيننا.. كما أشفق عليهما من العذاب طوال حياتهما دون ذنب أو جريرة فهما أغلي ما أملك في الحياة وندت عينيه بالدموع.. مست كلماته قلب زوجته الشابة فانهالت في نوبة حادة من البكاء واندفعت نحو المنصة وقالت بقلب مفطور للمحكمة وأنا أتنازل عن الدعوي من أجل ابنتاي.. كان المشهد باكياً.. هطلت دموع الحاضرين في القاعة.. قبل الزوج يد زوجته وربت علي كتفها وطلب منها أن تسامحه وخرجا من المحكمة ليعودا إلي بيت العيلة من جديد بعد أن وعدها أن تعيش مستقلة في شقتها ملكة متوجة.