الإيثار هو تفضيل المرء غيره علي نفسه. وذلك إذا كان الغير في مثل حاجته أو أشد. علي أساس أن الأولي بالرعاية هو صاحب الحاجة وليس صاحب المال. والإيثار ليس واجباً. وإنما هو من الفضائل التي ترفع درجات صاحبها» لأن صاحب الشيء أحق به» لما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره". ويجب علي صاحب المال أن ينفق علي نفسه أولاً حتي يكفيها. ثم الأقرب فالأقرب. لما أخرجه مسلم عن جابر. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها. فإن فضل شيء فلأهلك. فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك. فإذا فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا. يقول: فبين يديك. وعن يمينك وعن شمالك". وأخرج ابن حبان في صحيحه. عن أبي هريرة أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال يوماً لأصحابه: "تصدقوا". فقال رجل: يا رسول الله. عندي دينار. فقال. - صلي الله عليه وسلم - : "أنفقه علي نفسك". قال: عندي آخر. فقال - صلي الله عليه وسلم - : أنفقه علي زوجتك. فقال: عندي آخر. فقال - صلي الله عليه وسلم - : "أنفقه علي ولدك". قال: عندي آخر. فقال - صلي الله عليه وسلم : "أنفقه علي خادمك". قال: عندي آخر. فقال - صلي الله عليه وسلم - "أنت أبصر به". هذا هو الإنفاق الواجب. أن يبدأ المرء بنفسه ثم بمن يعول. أما الإيثار فهو مرتبة عالية من الإيمان. يتسامي فيها المرء عن الإحساس بالحق بالمال. وإنما ينظر إلي من هو الأحوج إليه. فإن كان الأحوج إلي المال نفسه قدمها. وإن كان الأحوج إلي المال غيره قدمه علي نفسه. وإن تساوي هو والغير في الحاجة إلي المال آثره علي نفسه تقرباً إلي الله تعالي. كما يقول سبحانه: "والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" "الحشر:9". ومعني "خصاصة". أي حاجة. أي أنهم يقدمون المحاويج علي حاجة أنفسهم. ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلي ذلك. فإن قدم صاحب المال حاجة نفسه علي حاجة غيره لم يأثم. ولكنه لم يحظ بفضل الإيثار الذي يرفع درجات صاحبه. فقد أخرج أبوداود وابن خزيمة. والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن النبي - صلي الله عليه وسلم - سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال - صلي الله عليه وسلم - : "جهد المقل وابدأ بمن تعول". يقول ابن كثير: وهذا المقام أعلي من حال الذين وصفهم الله بقوله: "ويطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" "الإنسان:8". فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به. وقد لا يكون لهم حاجة إليه. ولا ضرورة به. وهؤلاء آثروا علي أنفسهم. مع خصاصتهم وحاجتهم إلي ما أنفقوه.