التواضع من وضع الشيء أي حطه وخفضه. وصيغة تفاعل تدل علي الإظهار. كما في تغافل أي أظهر الغفلة وإن لم يكن غافلا في الحقيقة. فالتواضع ضد الكبر. ويعني إظهار البساطة وإنصاف النفس. فلا يدعي لها ما ليس لها ولا يخبثها بالمذلة والهوان. ويظهر القرآن الكريم صورة التواضع في نص موعظة لقمان لابنه. قال تعالي: "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر علي ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" "سورة لقمان: آيات 17-19". وأما عن تواضعه صلي الله عليه وسلم فقد كان المثال والقدوة. كان في تواضعه وافر الأدب. يبدأ الناس بالسلام. وينصرف إلي متحدثه بكامل هيئته وأحاسيسه صغيرا كان أو كبيرا. ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين. وإذا دخل مجلسا جلس حيث ينتهي به المجلس. ولم يأنف يوما من قضاء حاجته بنفسه. فيذهب إلي السوق ويحمل بضاعته ويقول: أنا أولي بحملها ويجيب دعوة الحر والعبد والفقير. ويقبل عذر المعتذر. ويقضي حاجة الضعيف والبائس. ويتعاون مع أهل بيته في أعمالهم وأعماله. فكان يرقع ثوبه ويخصف نعله بيده. وكان صلي الله عليه وسلم يكره الإطراء والألقاب ويقول: "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه" "أخرجه الإمام مسلم في صحيحه". ومن أهم أركان التواضع احترام العمل. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبيا إلا رعي الغنم. فقال أصحابه: وأنت فقال: نعم. كنت أرعاها علي قراريط لأهل مكة" أخرجه البخاري والقراريط: جزء من الدينار أو الدرهم ويقصد به الأجر. وفي ذكر النبي صلي الله عليه وسلم ذلك لأصحابه غرس لروح احترام العمل الشريف في نفوسهم وفيه حث علي عدم التأفف من الأعمال البسيطة وإيثار العمل علي البطالة والتنطع. فالنبي صلي الله عليه وسلم يضرب المثل والقدوة من نفسه في العمل والسعي لزيادة الإنتاج فيذكرهم باشتغاله بالرعي والتجارة. ثم ينوه علي شرف الحرف واحترامها وكرامة اكتساب العمل بمزاولته علي البطالة والكسل وهذا هو أساس التواضع. وهو ما يتمثل في قوله صلي الله عليه وسلم. فيما رواه عنه أبوهريرة أنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "لأن يعدو أحدكم فيحطب علي ظهره فيتصدق به ويستغني به من الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلي وابدأ بمن تعول" "صحيح مسلم". واحترام العمل يشمل مساعدة الرجل أهل بيته في القيام بأعباء المنزل فقد سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعمل في بيته شيئا قالت: نعم كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يخصف نعله "أي يخرزها" ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. "صحيح البخاري" وعن عائشة أنها: سئلت ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعمل في بيته. قالت: كان بشرا من البشر يفلي ثوبه "أي يتتبع أي أذي يلحق به" ويحلب شاته ويخدم نفسه "أخرجه الإمام أحمد في مسنده". إن التواضع ضد الكبر. وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن الكبر. وشدد النكير علي المتكبرين. وأخبر بسوء مآلهم في الدنيا والآخرة فعن عبدالله بن مسعود عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس "صحيح مسلم" وبطر الحق أي دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا والمقصود بغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم.