اتصل بي هاتفيا أحد أصدقائي وهو في المسجد الحرام وكان قد صلي الظهر ثم نوي أن يصلي العصر مع الظهر قصرا وجمعا لأنه كان علي سفر وقام لصلاة العصر فنادي الإمام علي صلاة الجنازة فصلي الجنازة ثم صلي العصر وجعل يسأل عن حكم قطع صلاته للعصر إلي صلاة الجنازة وحكم الفصل بين صلاتي الظهر والعصر بصلاة الجنازة عند إرادة الجمع وكان جوابي كما يلي: "1" أما المسألة الأولي: وهي قطع نية صلاة العصر ليدرك صلاة الجنازة أو غيرها. فقد اختلف الفقهاء في ذلك علي مذهبين في الجملة. المذهب الأول: يري ان المسلم إذا عقد النية علي فعل عبادة من العبادات كالصلاة والصوم لم يجز له أن يقطعها بحال ولا تفسد العبادة بمجرد نية القطع بل يجب عليه أن يتمادي في فعل العبادة حتي يتمها ولا تبطل العبادة إلا بخلل أركانها أو شروطها وإلي هذا ذهب فقهاء الحنفية وحجتهم: ان النية في العبادة كالعقد مع الله علي فعلها وهي مناط الثواب لما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ان الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم" وفي رواية "لا ينظر إلي أجسادكم ولا إلي صوركم ولكن ينظر إلي قلوبكم" قالوا: فإذا كانت النية شرطا لصحة العبادة فإن الاستدامة لكمال العبادة شرطا لصحة النية. ويترتب علي هذا المذهب انه لا يجوز لمن نوي العبادة كصلاة العصر في هذا السؤال أن يقطعها لأي سبب كان فإن خرج من العبادة وأتي بما يبطلها عمدا فقد أساء ووجب عليه أن يقضي العبادة التي أفسدها حتي ولو كانت في الأصل نافلة. المذهب الثاني: يري ان من مبطلات الصلاة نية قطعها وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وحجتهم ان النية شرط أو ركن في الصلاة لا تصح إلا بها وشرط صحة النية الإخلاص في إبرامها عند أول الصلاة لأنه لا يعرف ما يطرأ عليه عند التمادي في أداء الصلاة وعلي هذا فإن الصلاة تبطل بنية قطعها كما تبطل بمفسداتها من خلل الأركان والشروط وهل هذا الحكم خاص بالصلاة أم يشمل سائر العبادات من التيمم والصوم والاعتكاف والحج؟ أجمعوا علي ان الحج والعمرة لا يفسدان بمجرد نية القطع واختلفوا في سائر العبادات فذهب المالكية والحنابلة إلي بطلانها بنية القطع وذهب الشافعية إلي ان نية القطع تبطل الصلاة دون غيرها من العبادات. ومع ان نية قطع الصلاة يبطلها عند جمهور الفقهاء إلا انهم اتفقوا علي حرمة قطعها إلا لعذر أو مسوغ شرعي كإدراك صلاة الجماعة أو صلاة الجنازة أو إدراك الصحبة في السفر أو غير ذلك من أعذار حتي لا يكون قطع الصلاة عبثا كالمستهزئ بها.ويترتب علي هذا المذهب انه يجوز لمن نوي صلاة العصر أن يقطعها لإدراك صلاة الجنازة خشية أن تفوته بشرط أن يكون في الوقت متسع لإدراك صلاة العصر. "2" وأما المسألة الثانية في هذا السؤال فهي الفصل بين صلاتي الظهر والعصر بصلاة الجنازة عند إرادة الجمع بين الظهر والعصر. وقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلي مشروعية الجمع بين صلاتي الظهر والعصر والجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في السفر في الجملة خلافا للحنفية الذين قالوا باختصاص الجمع للحاج بعرفة والمزدلفة. وقد اشترط عامة الفقهاء لصحة الجمع الموالاة بين الصلاتين بمعني ألا يفصل بينهما بزمن طويل. أما الفصل اليسير فلا يضر رفعا للحرج واستدلوا علي شرط الموالاة في الجمع بظاهر الأحاديث الواردة فيها ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن معاذ قال: خرجنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جمعا والمغرب والعشاء جمعا. وذهب بعض أهل الفقه إلي أن المقصود بالجمع هو صلاة الفرضين في وقت أحدهما دون شرط الموالاة أو التتابع بينهما رفعا للحرج عن الناس. وعلي هذا نقول للسائل: ان الجمع بين صلاتي الظهر والعصر جائز عند الجمهور وهو صحيح حتي ولو كانت صلاة الجنازة فاصلة بين الفرضين لخوف فواتها مع قصر وقتها.