علي مر الأزمنة توجد ثوابت مؤكدة تثبت باليقين أن تواجدها علي السطح الاجتماعي لأي مجتمع سوف تكون نتائجها إيجابية مصحوبة بالخير والأمان والاستقرار والأمثلة كثيرة علي ذلك وعلي رأسها الشفافية ووضوح الرؤية فهي تمثل الدواء لداء الإشاعات التي تجد دائما الأرض الخصبة في حالة السقوط داخل بئر الضبابية والعبارات الهلامية أو الاكتفاء بالصمت اعتمادا علي أن الحقائق سوف تتكفل بها الأيام فيما بعد وهو أمر خطير بحق لأنه سيؤدي إلي استسلام أصحاب النفوس الضعيفة والثقافات الضئيلة والغافلين عن حقائق الأمور لقوي الشر من المغرضين والحاقدين ويصبحون أداة طيعة لإرادتهم لكي ينشروا من خلالهم القلاقل والفتن بين أبناء المجتمع الواحد بكل سهولة وبالتالي يفلتون من العقاب أو المحاسبة لأنهم يعلمون من وراء الستار بلا رقيب ومثال آخر ما أحوجنا إليه في ظروفنا الحالية وهو العودة إلي موروثاتنا القديمة من قيم حميدة ومباديء قويمة التي غرست في نفوسنا محبة السماحة والتعاطف والتراحم بين أبناء الوطن الواحد وهكذا كان حال الأجيال السابقة التي عاشت فوق أرض مصر الغالية وهم ينعمون بالرضي والقناعة والمودة في كل الظروف مهما كانت قسوتها وهو ما نفتقده اليوم بعدما أصبحنا فريسة للإحساس بالاضطهاد والرغبة في تصيد أخطاء الآخرين والتعالي عن الاستماع للرأي الآخر أو التحاور بأسلوب متحضر بعيدا عن البذاءات والإهانات وتدمير القامات والرموز التي من المفترض أن تكون علي قمة مفاخرنا ومثال ثالث لا نعرف كيف تسلل بعيدا عن وجدان أغلب شبابنا وهو الإحساس بالانتماء وهو أخطر شيء يمكن أن يتعرض له أي مجتمع إذا ما سيطرت اللامبالاة أو مشاعر اليأس والإحباط علي نفوس أبنائه بسبب مشاكله الاقتصادية أو الفكرية لأنه في النهاية سيؤدي إلي تدمير كيان الدولة مهما كانت قوتها وتعدد مصادر ثرواتها ولذلك يجب أن نستنفر مشاعر الانتماء في أعماقنا بألا نبخل علي بلدنا بكل غال من أجل تقدمه وتبوئه المكانة التي يستحقها وسط الدول المتقدمة وأيضا التخلي عن الرغبات الفردية من أجل الصالح العام وأن نرجح أحكام العقل في كل مطالبنا لكي نتمكن من مواصلة المسيرة فليس بالشعارات والحوارات والهتافات نتمكن من البناء والازدهار فالثورة كان لها ثمنا غال دفعه دماء الشهداء الذين طالبوا بالحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ولهذا يجب أن تتجلي الحرية في معناها الحقيقي باختيار الطريق الصحيح لاستعادة هيبة وشموخ وخيرات ومكانة مصرنا الحبيبة وأن تتوج ديمقراطيتنا باتخاذ القرارات السلمية بعيدا عن هوجائية الانتقام أو التشفي فالانتماء ليس مجرد كلمة أو لفظ متداول بل هو معني يحتوي الوطن الذي فيه السكان والغذاء والأهل والحب والرضا وهو مكان الحقوق والواجبات في مدار الحياة السياسية والإنسان اللامنتمي إنسان بلا قلب أو حس والذي تصدر عنه تصرفات لا منطقية بلا وعي وبكل بلاده وجهل وقديما قالوا "إذا كان الطائر يحن إلي أوكاره فالإنسان أحق بالحنين إلي أوطانه" ونحن اليوم ليس أمامنا إلا أن نستنفر في صدورنا كل موروثاتنا الجميلة والعظيمة من مباديء وقيم وأخلاقيات ونجعل منها دروع قوية وصلدة لمواجهة كل الآفات الاجتماعية التي طرأت علي مجتمعنا نتيجة انسياقنا وراء الانقسامات والمهارات ونزعات الأنانية أو تصفية الحسابات وغفلنا أن وطننا الأم في حاجة إلينا وإلي تماسكنا وترابطنا من أجلنا ومن أجل الأجيال التي سوف تأتي من بعدنا.