المصريون يتناولون النكات والقفشات ليلاً. يكملون بها العشاء. ويتسلون بها علي المقاهي.. "شعب ابن نكتة". ضحكته "مجلجلة" حتي وهو نائم علي سرير المرض. النكتة والقفشة والسخرية فن له شروط.. تبدأ من البساطة وسرعة البديهة. وتنتهي بخفة الظل.. وخفة الظل هي الميزان والمحبة والود للنكات والقفاش أبو دم خفيف علي القلب.. لو غابت خفة الظل تبقي النكتة "بايخة". وعندك فرصة تقول واحدة تانية. أو ريحنا واسمع دي "مرة واحد اتنين تلاتة".. ولهذا نجح باسم يوسف.. فهو نكات وقفاش ودمه خفيف ومقبول ومهضوم أصلي. باسم يوسف ليس حمادة سلطان الذي قلبنا في السبعينيات علي وجوهنا سخرية من الحشاشين الضالين. ومن بلدياتنا الصعايدة.. "صعيدي عاكس واحدة في باريس قالت له "سوفاج" قال لها لأ سوهاج".. حمادة سلطان ابن عصره الانفتاحي الاقتصادي وما صاحبه من فوضي أخلاقية. عصر كان يعتمد الناس فيه علي قنوات التليفزيون الرسمية. وأغاني أحمد عدوية. وينتظرون خطابات السلام والحرب من الرئيس السادات.. أما باسم الذي يضحكنا ويضحك علينا. ويعصرنا ألماً وغضباً وضحكاً ودموعاً.. ساخراً من الدعاة المتاجرين بالدين ومن الرئيس والنائب العام والمستشارين والسياسيين.. ومن الثورة التي لم تكتمل ومن الديمقراطية الوهمية. فنحن لا نحفظ له نكتة. لأنه ابن عصر ثورات الإنترنت والاتصالات والصورة والربيع العربي الذي يتحول بأصابع داخلية وخارجية إلي الخريف العربي الذي تتساقط فيه الدماء والشهداء والأفكار والقيم. ويحول أحلامنا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية إلي كوابيس تبلل ملابسنا وتلوث ضمائرنا. باسم يوسف صورة بالكربون لجون ستيورات لكنه يصنع "تتبيلة" مصرية ببهارات شعبية من الدقة والكمون والثوم.. يجتهد في رصد التفاصيل بذكاء شديد معرياً السياسيين والحواة والتجار.. وهذا سر الغضب منه لدي البعض. ومصدر الحب الجارف له في الشارع.