وزير الاستثمار يبحث مع مؤسسة التمويل الدولية «IFC» دعم أولويات الحكومة المصرية    صواريخ إيرانية تصيب 4 أشخاص ومبنيين في مدينة حيفا شمال إسرائيل    راحة سلبية لإمام عاشور بعد جراحة الترقوة    بدء عرض مسلسل "مملكة الحرير" الأحد 29 يونيو الجاري    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    قافلة الصمود تتراجع إلى نقطة آمنة بسرت في ليبيا "حتى إطلاق سراح الموقوفين"    «التنظيم والإدارة» يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف حتى نهاية العام    مجلس إدارة الزمالك بالكامل فى عزاء والد محمد طارق    بمجموع 280 درجة.. الطالبة أسماء رضا بالإسكندرية تروي ل "الفجر" أسرار تفوقها بالمرحلة الإعدادية    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    مسلسل فات الميعاد الحلقة 3.. أحمد صفوت يقرر تبنى طفل من الملجأ لإسعاد زوجته    نجوى كرم تطرح أحدث أغانيها «حالة طوارئ» | فيديو    وجدي زين الدين: إسرائيل تخوض حربًا دينية والهدف الحقيقي من التصعيد هو مصر    المتحف المصري الكبير.. صرح عالمي يسرد تاريخ الحضارة المصرية    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    توتر في الأهلي.. لماذا انفجر بن شرقي بسبب صدام إنتر ميامي؟    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    تعليم الأقصر: غرفة العمليات لم تتلقَ أي شكاوى بشأن امتحاني مادتي التربية الوطنية والدين للثانوية العامة    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    رئيس مجلس النواب يدين العدوان الإسرائيلي على إيران    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    ماراثون الثانوية العامة بدأ.. طلاب الأقصر يتوافدون على اللجان لأداء أول يوم امتحانات    الأهلي أوقفه.. ميسي يتعطل لأول مرة في كأس العالم للأندية    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعليق ساخر من مجدي عبد الغني على مدرب الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غرام في الحرام!!
Mabokraisha@hotmail. com
نشر في الجمهورية يوم 24 - 03 - 2013

في البدء كانت الكلمة.. لكنها اليوم لم تعد ذات جدوي.. كانت الكلمة تبني وتهدم.. وتحيي وتميت.. وتعز وتذل وترفع وتضع.. وتدمر وتعمر.. اليوم لم تعد ذات قيمة ولا تسمن ولا تغني من جوع.. لم يعد لها من أثر سوي أنها صارت وبالا علي قائلها وكاتبها وربما يهوي بها في النار سبعين خريفاً.. ولم يبق سوي صرخة سيدنا نوح عليه السلام في قومه: "ولا ينفعكم نصحي ان أردت أن انصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم.. هو ربكم وإليه ترجعون".. والمصريون مثل قوم نوح يقولون لكل قائل أو كاتب: لقد جادلتنا فأكثرت جدالنا.. "يا أخي دوشتنا وزهقتنا وقرفتنا.. وكل اللي إنت بتقوله إحنا عارفينه".. إئتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.. اكتب أو قل لنا الحل.. والعذاب من عند الله والرحمة من عند الله والحل من عند الله.. ونحن لانملك لقومنا ضراً ولا رشداً.. ولو أن قومي يتعذبون بما هم فيه لتوصلوا بأنفسهم إلي الحل.. لكنهم يستعذبون العذاب ويتلذذون بالهوان والخراب.. وأعداد المستفيدين من الكوارث اضعاف اعداد المتضررين منها.. ومصر امتلأت بمقاولي الهدد الذين يتربحون من الهدم ويتاجرون في الأنقاض ويكسبون قوتهم من الفوضي ويسترزقون من البلطجة السياسية والإعلامية والقانونية والجسدية.
ومصر كما قال مخططو السياسة الأمريكية ومنفذو المخطط في الداخل لاتسقط بضربة واحدة.. ولكنها تسقط بألف جرح صغير في جسدها.. خدش هنا.. وخربشة هناك.. طعنة هنا.. وكدمة هناك.. ألف جرح صغير في جسدها لا يشعر بها الناس.. ويستهينون بها.. ومع الوقت والغيبوبة واللا إحساس والاستهانة.. تتقيح الجروح الصغيرة وتتقرح ويكون الموت.. الموت بالقطعة والسقوط بالتجزئة والتقسيط المريح.. وهذا ما يحدث الآن.. الأزمات الاقتصادية وأزمات الوقود.. وشيوع التطرف والعنف.. وان يصبح القتل والسحل والصلب والذبح والتقطيع والتشفية مشهداً يومياً مألوفا حتي للأطفال.. وأن يتسع التناقض بين ما يسمي الحكم وما يسمي المعارضة.. وأن يفقد المركز العصبي للوطن السيطرة علي الأطراف وأن تصاب مصر بالتبول اللا إرادي والعنف اللا إرادي والبلطجة اللا إرادية.. كل هذه جروح صغيرة ضمن ألف جرح في جسد الوطن حتي يسقط وأهله لايشعرون.. وهذا يؤكد لك ولي أن التصعيد مقصود وأن اختلاق الأزمات ممنهج ومقصود.. وان سكب البنزين علي النار مبرمج.. حتي نصل إلي ألف جرح صغير يؤدي في النهاية إلي سقوط الوطن.. ومع كل هذه الجروح الصغيرة يقول المصريون: "الحمد لله.. إحنا أحسن من غيرنا".. أي أننا نحافظ علي ما نحن فيه بوصفنا أفضل من غيرنا.. ونحن لا ندرك ان لكل دولة عربية طريقة لاسقاطها.. فالطريقة التي تهدم بها حائطاً من الطوب اللبن.. غير الطريقة التي تهدم بها حائطا من الحجر وغير الطريقة التي تهدم بها جبلا.. ومصر جبل راسخ وشامخ وهدمه يحتاج إلي وقت طويل وألف أو مليون ضربة وحفرة في جسم الجبل.. وهذا ما يجري الآن ولا نفطن له.. فسكان الجبل يرون معاول الهدم تعمل بدأب ويضحكون ويقولون: هيهات هيهات لما توعدون.. يستبعدون الخطر والكارثة ويقولون: "حلني".. لذلك لم يعد للكلمة معني ولا قيمة مع أناس يستبعدون وقوع الواقعة ويرون أنك تجادلهم وتكثر جدالهم "علي الفاضي" ويتحدونك بأن تأتيهم بما تعدهم.
وجهاز المناعة لدي المصريين ضعيف جداً ويكاد يكون ميتاً.. وهذه كارثة تجعلنا نتكيف مع أي وضع سييء ونتأقلم مع أي عضو غريب مزروع في جسد الوطن.. ونحن نمدح أنفسنا بأن معدتنا تهضم الزلط.. وهذا ذم في صورة مدح لأن المعدة التي تهضم الزلط معدة معيبة أو ميتة أو هي سلة قمامة لاترفض ما يلقي فيها.. وموت جهاز المناعة لدي المصريين جعل الوطن كله مدفنا للنفايات السياسية والاقتصادية والإعلامية.. ومرتعا للفيروسات والهوام التي تسيدت المشهد وسيطرت علي كل شييء بلا أي مقاومة أو ممانعة.. لذلك صار حكم مصر سهلا للغاية لأنها بلا جهاز مناعة.. ولذلك راهن حكام مصر علي مر العصور علي موت جهاز المناعة.. وأن الأمر لايعدو أن يكون مجرد "فلفصة" في البداية.. مجرد توتر باهت وخفيف لجهاز ضعيف.. وسرعان ما يتقبل الجسد العضو المزروع بقليل من مثبطات المناعة.. وكل نظام حكم يكسب الرهان دائما علي أن الأمور ستهدأ وسيصبح كل شيء أمراً واقعاً الا من شوية "هبهبة.. وهو هوة" وسرعان ما تختفي أيضا تلك "الهو هوة".
لم يصمد جهاز المناعة المصري أمام ثورة يوليو عام ..1952 وسرعان ما هدأ الجسد المتوتر بمثبط مناعة هو حرب السويس عام ..1956 وبعدها تأقلم الجسد مع العضو المزروع ونسي تماماً العضو الملكي المستأصل.. وعندما رحل عبدالناصر عام 1970 توتر الجسد قليلاً وأبدي جهاز المناعة المصري الضعيف بعض المقاومة حتي تم تثبيطه بحرب أكتوبر 1973 فتأقلم مع العضو الساداتي المزروع ونسي العضو الناصري المستأصل.. ورحل السادات عام 1981 فتوتر الجسد قليلاً وأبدي بعض المقاومة للعضو المباركي المزروع حتي وقعت أحداث الأمن المركزي عام 19861985 وبعد إحباطها انتهت مقاومة جهاز المناعة تماما للعضو المباركي وتأقلم معه الجسد.. ومع هوجة 25 يناير عام 2011 تم استئصال العضو المباركي المزروع في الجسد ومازال الجسد متوترا إلي الآن حتي يعثر النظام الجديد علي مثبطات مناعة.. وسيعثر عليها بالتأكيد.. ونري الآن نماذج لها مثل الأزمات المتوالية وحبس الناس في لقمة عيشهم وإلهائهم بجروح عدة في الجسد حتي يتم تمكين العضو الجديد من الجسد ويصبح عضوا واقعا لايلقي أي مقاومة.. والأمر لن يستغرق وقتا طويلا.. واظن أن الأمور في طريقها إلي التسليم بالواقع والتأقلم مع العضو المزروع.. فجهاز المناعة المصري مريح لأي حاكم وأي نظام.. لذلك لا يجد أي نظام صعوبة في السيطرة.. حتي أن المليونيات والمظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات صارت أموراً يومية عادية.. بل إنها مضحكة.. والمتفرجون فيها أضعاف المشاركين وفي المساء "كل واحد يروح لحال سبيله".. حتي إذا سقط قتلي ومصابون فإن الأمر صار عادياً جداً.
****
وعلاقة مصر بحكامها علي مر العصور مثل علاقة زوجة بزوجها.. ومصر علي مر العهود تتزوج بعد ترمل.. ولم تتزوج بعد طلاق إلا مرتين في تاريخها.. الأولي طلاقها من الملك فاروق الأول لتتزوج عبدالناصر.. والثانية طلاقها من الرئيس السابق حسني مبارك لتتزوج النظام الحالي.. والدولة مثل المرأة لها عدة في الترمل.. وعدة في الطلاق.. وعدة الترمل كانت دائما ستين يوماً.. أما عدة الطلاق فإنها غير محددة عندنا "الورق بتاعنا والدفاتر بتاعتنا" مثل العمدة عتمان "صلاح منصور" في فيلم الزوجة الثانية.. وقد كانت عدة مصر المطلقة من النظام الملكي أربع سنوات.. إذ ظل عبدالناصر خطيبها من عام 1952 حتي تزوجها رسميا عام ..1956 أما عدة مصر المطلقة من نظام مبارك فلم تستغرق سوي أقل من عامين ليتزوجها النظام الحالي "بالورق بتاعنا والدفاتر بتاعتنا".
وعدة المرأة المطلقة ثلاثة أشهر.. لكن عدة الدولة المطلقة هي ما يسمي المرحلة الانتقالية بين خلعها لزوجها وزواجها من آخر.. ومصر في الطلاق والزواج الأخيرين لم توف العدة.. أو هي تزوجت قبل انقضاء العدة بطريقة "الورق بتاعنا والدفاتر بتاعتنا".. و"الاستمارات بتاعتنا والبطاقات بتاعتنا والصناديق بتاعتنا والدوائر بتاعتنا والقانون بتاعنا والدستور بتاعنا والبرلمان بتاعنا".. و"لأ وإيه.. والشرع بتاعنا أيضا".. والمتأمل في طلاق وزواج مصر الأخيرين يخشي أن يكون الزواج حراما من الناحية السياسية.. ويخشي أن القوانين والقرارات ومناهج الحكم ليست سوي أبناء صلبية للنظام السابق لأن مصر تزوجت قبل ان توفي العدة ويبدو أنها كانت حبلي من النظام السابق بكل هذه القوانين والقرارات والدساتير والبرلمانات المعيبة والسفاح.. كل ما وضعته مصر في ظل زواجها في العدة من النظام الحالي فيه ملامح من النظام السابق.. نفس ملامح القوانين والدساتير والقرارات.. نفس سحنة التصريحات والوعود "اللي لا تصدق ولا تنصان" والعهود "مع اللي ما لهش أمان".. نفس خلقة وحيلة الأغلبية المصنوعة بطريقة "الورق بتاعنا والدفاتر بتاعتنا".. نفس ملامح العناد والمكابرة والعزة بالاثم والخطب والشعارات والاستقرار والاستمرار.. نفس شبه وسحنة التكويش والكذب والاستفزاز.. نفس الرموز مع تغير الأسماء.. والعجيب أن المصريين يقاومون من يحذرهم وينذرهم ويقرفون ويزهقون ممن يهزهم ليفيقوا بينما لايملون تعاقب الأنظمة عليهم بنفس التصريحات والوعود والأكاذيب ولايقرفون من نفس اللعبة المملة التي يلعبها الحواة المتعاقبون علي السيرك المصري.. كلا الاخوين كذاب وشمس الدين أكذب من أخيه.. "وأحمد زي الحاج أحمد" "يدوبك أحمد التاني أخذ لقب الحاج".
الدفاتر والأوراق والصناديق والقوانين واللوائح والتصريحات مزيفة ومزورة.. مصر اعتادت ضرب الأوراق والمستندات ليكون كل شيء مضبوطا علي الورق رغم أنه معكوك في الواقع.. ومصر طول عمرها دولة ورقية أو دولة من ورق.. وهناك جيوش مع كل نظام مهمتها الأساسية ضرب الأوراق والأرقام والتقارير.. وواهم وأبله من يصدق لحظة واحدة ان مصر عرفت او ستعرف في أي عهد ما نسميه النزاهة والشفافية والحيدة.. فإن هي إلا أسماء سميناها نحن وآباؤنا ولم يكن لها أي وجود حقيقي في حياتنا.. كما لم ولن يكون هناك وجود لشعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.. فالحرية والعدالة والكرامة ليست سوي لافتات علي مقار احزاب.. تماما مثل لافتة الحزب الوطني الديمقراطي.. كلها أسماء جميلة لأفعال قبيحة.. فليس في مصر ولن يكون حرية أو عدالة أو كرامة أو وطني أو ديمقراطي أو احرار أو دستور أو بناء أو تنمية أو نور أو أصالة أو إصلاح.. إنها أحزاب ليس لها من أسمائها نصيب.. إن هي إلا أسماء سموها هم وآباؤهم ولا وجود لها علي الأرض.. فالأحزاب تكذب أيضا بأسمائها.. كما تكذب الحكومة بتصريحاتها وخطبها ووعودها وكما تكذب المعارضة بشعاراتها وهتافاتها.. وكما يكذب المصريون جميعا.. كل بطريقته.. منهم من يكذب بقلمه ومنهم من يكذب بفمه ومنهم من يكذب بالديكور والماكياج ومنهم من يكذب بلحيته وجلبابه.. منهم من يمشي علي أربع ومنهم من يمشي علي بطنه.. لكن أحدا لايمشي علي رجليه فالمصريون مقلوبون.. الرأس الي اسفل والقدمان إلي أعلي.
****
لا يعيرك المصري انتباها اذا خاطبت عقله وضميره وقلبه.. لكنه يعطيك كل اهتمامه إذا خاطبت جيبه وبطنه وفرجه.. وهذا ليس منطقا يفرضه الفقر.. فالفقر لايتعارض مع الكرامة.. انه منطق يفرضه غياب الكرامة فالأغنياء أيضا لايعيرونك التفاتا اذا خاطبت قلوبهم وعقولهم وضمائرهم.. الأغنياء أيضا يعطونك كل الانتباه اذا خاطبت بطونهم وجيوبهم وفروجهم.. انها اليد السفلي حتي إذا كانت يد غني وصاحب ملايين.. والسياسة عندنا عمل حرام يمارسه حرامية.. ينشلون السلطة ويسرقون الثورات ويسطون علي القلوب والعقول.. ويصنعون تلالا من الانقاض والخراب ليجلسوا علي هذه التلال.. لا خير في مالك أو مملوك ولا خير في حاكم أو محكوم.. السياسة في مصر من أخطر ملوثات البيئة ويمارسها ملوثون.. السياسة عندنا ضد النظافة.. وضد الصدق.. وضد الخير وضد الجمال وضد الحق.. السياسة في مصر صارت حكرا علي الأغنياء.. لايملك الفقراء ترف ممارستها.. كل السياسيين عندنا مليارديرات.. وكل الضحايا فقراء.. لكن الفقراء أيضا ضحايا غبائهم.. لذلك كانت السياسة عندنا دائما منتج الأغنياء الذي يستهلكه الأغبياء.. مصر لاتمشي "عدل".. لذلك لايحتار عدوها فيها.. لا يوجد شيء مضبوط في هذا البلد طوال عهوده.. دائما هناك رائحة كريهة رغم مكسبات اللون والطعم والرائحة.. دائما هناك "مشي عوج" وغرام في الحرام!!!
نظرة
دخلت المرأة المنتقبة عربة المترو التي أقف فيها وعلي يديها رضيع ملفوف بثياب كثيرة وراحت تقول: "ساعدوني في علاج ابني المريض.. ربنا ما يرميكم في ضيقة.. ابني عنده ميعاد جلسة في المستشفي الساعة "2" ونظرت في ساعتي فوجدتها الثالثة والنصف عصرا.. فعرفت أن المرأة قد أدركها الوقت ولم تشعر وأنها ربما تتسول بهذا الطفل منذ عدة ساعات ومازالت تظن أن الساعة الثانية لم تأت بعد.. وفي كل مرة أري فيها امرأة تتسول بطفل أشعر بأنني اتمزق ولا أقوي علي متابعة المشهد.. يسيطر عليَّ يقين بأن الطفل مسروق أو مستأجر.. وأقاوم رغبة محمومة في الهجوم علي أي امرأة تتسول بطفل وخنقها حتي الموت.. واتذكر مشهد الشعب المصري الذي يشبه تماما طفلا مسروقا أو مستأجرا تتسول به الحكومة مرة والمعارضة مرة.. الحكومة تلف بالشعب علي يديها وتقول: "ساعدوني علي تحقيق الاستقرار لابني".. والمعارضة تدور بالشعب في الشوارع ونقول: "ساعدوني علي تحقيق الحرية لابني".. والشعب ليس ابن الحكومة ولا ابن المعارضة إنه شعب مسروق ومستأجر تشحت به الحكومة والمعارضة السلطة والحكم.. تحجرت عيناي.. فقدت قدرتي حتي علي البكاء.. وكل قنابل الدنيا فشلت في إسالة دموعي.. القنابل تخنقني ولكنها لا تسيل دموعي.. حتي الدموع فيها أزمة مثل السولار!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.