البخل عكس السرف. أما الكرم فهو التوسط بين البخل وبين السرف. وكلاهما من أسباب الندم. فإذا أردنا البعد عن البخل وعن السرف معاً لتحصين النفس من لوم نفسها فلنكن كرماء. كما قال تعالي: ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً "الإسراء: 29". والكريم هو السخي الذي يعطي الحق مع زيادة مناسبة تسمي التوسعة. والكريم حبيب الله» لما أخرجه الطبراني برجال ثقات عن سهل بن سعد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل كريم يحب الكرماء ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها¢. أما السرف فهو الإنفاق الزائد الذي لا حاجة له. ويوصف صاحب السرف بالسفه أو التبذير. والمسرف بغيض عند الله» لقوله تعالي¢ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين¢ [الأنعام : 141]. وقوله تعالي:¢ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا¢ [الإسراء: 27]. وعلي هذا فلا يجوز لأحد أن يندم علي أنه كان كريماً ولم يكن بخيلاً علي أولاده وأقاربه وضيوفه بل عليه أن يفرح وأن يهنأ بتوفيق الله تعالي له أن كان في صفة يحبها الله وهي صفة الكرم. ولم يكن في صفة يبغضها الله وهي صفة البخل أو صفة السرف. إن باب الندم في الدنيا مفتوح للبخلاء والمسرفين علي السواء إن أرادوا تدارك تقصيرهم وخطئهم. أما ندم البخيل فيتوجه إلي تقصيره في حق نفسه حتي منعها من الاستمتاع بماله. وصير نفسه حارسا أو خفيرا علي ما كنزه من أجل غيره الذي يستمتع به دون أن يكون له فضل في جمعه. ويلقي صاحب المال المحروم ربه علي خطر فقد توعد الله تعالي هؤلاء الكانزين بقوله سبحانه:¢ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ¢[التوبة: 34 . 35]. وأخرج البخاري عن ابي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : :¢ تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط. تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ¢ [أي إذا دخلت في جسده شوكة فلن يجد أحداً من أهلة أو جيرانه يساعده علي إخراج تلك الشوكة بسبب كراهيتهم لبخله]. وأما ندم المسرف فيتوجه إلي التفريط في نعمة الله التي بسطها له ليتوسط في إنفاقها في أطوار حياته وحياة ذويه. فتعجل في الإنفاق بغير حق حتي وجد نفسه فقيراً في مرض شيخوخته. أو ترك أولاده بغير مال يعينهم علي نوائب الدهر. فقد أخرج الشيخان من حديث سعد بن أبي وقاص. أنه لما مرض في عام حجة الوداع ذهب النبي صلي الله عليه وسلم يعوده. فقال سعد بن أبي وقاص : يارسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما تري وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: ¢لا¢ فقال سعد بن أبي وقاص : بالشطر؟ فقال النبي. صلي الله عليه وسلم ¢لا¢. ثم قال النبي. صلي الله عليه وسلم: "الثلث والثلث كبير أو كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس".