الشهادة هي أقوي أدلة الإثبات بعد الإقرار وتسمي "بينة" لأنها تبين ما التبس. وتكشف الحق فيما اختلف فيه. وتعرف الشهادة بأنها الاخبار بحق للغير علي الغير في مجلس القضاء. وتسميتها بالشهادة إشارة إلي أنها مأخوذة من المشاهدة المتيقنة. لأن الشاهد يخبر عما شاهده. كما ورد فيما أخرجه البيهقي والحاكم بسند فيه راو ضعيف. عن ابن عباس. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "يا ابن عباس لا تشهد إلا علي ما يضئ لك كضياء هذا الشمس". وأومأ رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده إلي الشمس. ويستثني من شرط الرؤية والعلم في تحمل الشهادة: المسائل التي تصح فيها الشهادة بالتسامح. أو الشهرة. تقول : تسامح الناس بكذا. أي اشتهر ذلك عندهم. واستغنوا بتلك الشهرة عن الدليل. وقد اتفق الفقهاء علي جواز الشهادة بالتسامح في ستة أشياء. وهي : العتق والنكاح والنسب والموت والولاء والوقف. وهي المسائل التي يتقادم تاريخها أو يتفرق أهلها في البلاد مما يستوجب الاستغناء عن الشهادة الي التسامح والاشتهار. ففي هذه المسائل يجوز أن تكون الشهادة بالتسامح لا بالرؤية والمعاينة. لأن الشهود يموتون ويتفرقون. وقد أجاز المالكية وبعض الشافعية تحمل الشهادة علي الشهادة وأداءها بالتسامح في كل الحقوق إذا كانت الحاجة تدعو إليها صوناً للحقوق. ومن ذلك الأحوال التي يتعذر انتقال الشاهد بنفسه إلي القضاء لسفر أو مرض أو حبس أو عذر من الأعذار. فحتي لا تضيع الحقوق يأتي شهود التسامح فيشهدون علي كلام شهود المعاينة. وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمعتمد عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة : إلي جواز الشهادة علي الشهادة في غير الحدود والعقوبات التي تدار بالشبهات. لما أخرجه ابن ماجة من حديث أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً" وأخرج البيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم. فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله. فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة". واشترط الفقهاء لقبول الشهادة بالتسامح أن يحصل علم الشاهد عن خبر جماعة لا يتصور تواطؤهم علي الكذب ويحصل الظن القوي بصدقهم ولا يشترط فيهم حرية ولا ذكورة ولا عدالة. وقيل : يكفي التسامح من عدلين إذا سكن القلب لخبرهما.