أجمع الفقهاء علي صحة الصلاة إذا أتي بها صاحبها علي الوجه الصحيح من حيث الأركان والشروط. وليس من أركان الصلاة أو شروطها أن تكون في مسجد أو جماعة إلا في صلاة الجمعة. لما أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبدالله. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" منها "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل". وخالف هذا الاجماع ابن عقيل من الحنابلة حيث قال بعدم صحة الصلوات الخمس إلا في جماعة في المسجد في حق الرجال. أما النساء فالجماعة لهن سنة عند الشافعية والحنابلة. ومباحة عند المالكية. ومكروهة عند الحنفية. مع اجماع الفقهاء علي صحة الصلاة إذا تمت بأركانها وشروطها في كل مكان طاهر علي ما يسمي أرضاً في الجملة إلا انهم اختلفوا بشأن الصلوات الخمس المكتوبة في حق الرجال هل يجب أداؤها في جماعة أو يجوز أداؤها احاداً. وإذا وجب أداؤها في جماعة - كما ذهب الحنابلة وبعض الحنفية والشافعية - فهل يجب ان تكون في المسجد. أويجوز أداؤها في غير المسجد؟ ثلاثة مذاهب للفقاء في الجملة: المذهب الأول: يري جواز أداء الصلوات الخمس للرجال آحاداً بغير جماعة في المنزل وفي المسجد وفي كل مكان طاهر في الجملة. وإن كان أداؤها في جماعة سنة مؤكدة. شبيهة بالواجب في القوة عند الحنفية. وإلي هذا الجواز ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية في الأصح. وأكثر المالكية. وقول عند الشافعية وحجتهم: ما أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة". وفي رواية من حديث عمر في الصحيحين: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". المذهب الثاني: يري جواز أداء الصلوات الخمس للرجال آحاداً بغير جماعة في المنزل وفي المسجد وفي كل مكان طاهر بشرط ان يكون بعض المسلمين قد توجهوا إلي المساجد لأدائها جماعة. وهو قول بعض الحنفية كالكرخي والطحاوي. وبعض المالكية كما نقله المازري. وإليه ذهب الشافعية في الأصح. وحجتهم: ان الجماعة في الصلوات الخمس في المسجد فرض كفاية فإذا قام به البعض سقط الطلب عن الباقين. لما أخرجه أبوداود بإسناد صحيح عن أبي الدرداء. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان. فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية". المذهب الثالث: يري تحريم أداء الصلوات الخمس للرجال آحاداً بغير جماعة في المسجد إلا لعذر. مع صحة الصلاة ان أداها في البيت أو في غير جماعة. لكنه يأثم لترك جماعة المسجد. وهو مذهب الحنابلة وبعض الحنفية والشافعية. وحجتهم: عموم قوله تعالي: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم: "النساء: 102". حيث أمر الله تعالي بالجماعة حال الخوف في الحرب. ففي غيره أولي. وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "لقد هممت ان آمر بحطب فيحطب. ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها. ثم آمر رجلاً فيؤم الناس. ثم أخالف إلي رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم". وأخرج مسلم عن أبي هريرة. قال: أتي النبي - صلي الله عليه وسلم - رجل أعمي فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلي المسجد. فهل لي من رخصة فأصلي في بيتي؟ فرخص له. فلما ولي دعاه فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ قال: نعم. فقال - صلي الله عليه وسلم -: "فأجب". قالوا: وإذا كان النبي صلي الله عليه وسلم لم يرخص النبي للأعمي الذي لم يجد قائداً ان يصلي في بيته فغيره أولي. واستثني الحنابلة ومن وافقهم القول بوجوب أداء الصلوات الخمس جماعة في المسجد ان يوجد عذر مانع كمشقة زائدة من برد ومطر وظلمة شديدة. لما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر ان يقول: "ألا صلوا في رحالكم". وفي رواية عن ابن عباس: "صلوا في بيوتكم". وبهذا يتضح اتفاق الفقهاء علي ان التكاليف الشرعية لا عنت فيها. بل كما قال تعالي: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" "الحج: 78".