لأحاديث رئيس الدولة أي دولة وتصريحاته وحواراته التليفزيونية قواعد و"ترتيبات" خاصة.. فنية وسياسية وسيكولوجية. يجب أن يتم الإعداد لها بدقة متناهية. وأن يتولاها خبراء لا هواة.. وأن يتم فيها التحسب لكل الاحتمالات. والاستعداد بكل البدائل. تفادياً لأي مطبات أو مفاجآت. وحتي يحقق الحديث أو التصريح أو الحوار الرئاسي الهدف منه. وتصل "رسالته" إلي مبتغاها في التوقيت الصحيح. وما حدث للحوار التليفزيوني للرئيس مع الزميل عمرو الليثي هذا الأسبوع.. وربما لا دخل للرئيس ولا للزميل عمرو فيه. ضرب كل القواعد. وتنافي مع أي ترتيبات. بصورة أفقدت الحوار نفسه جزءاً من أهميته. وأثرت سلباً علي كل أطرافه. بما لم يتمنه أحد من هذه الأطراف. لقد ضاع جزء من مضمون الحوار رغم أهميته بسبب ملابسات ما جري له. * * * إن رئيس الدولة حين يتوجه برسالته إلي الشعب من خلال حوار تليفزيوني. فإن الطبيعي أن يكون التواصل مباشراً.. أي أن يكون الحوار علي الهواء وليس مسجلاً. وإلا استعاض الناس عنه بأي تسجيلات سابقة للرئيس. لكن الذي حدث. أن الحوار أذيع علي الناس مسجلاً. ففقد واحداً من أهم عناصره وأهدافه. وهو إحساس المواطن بالتواصل المباشر بين الرئيس وبينه. وهي مسألة "نفسية" مهمة. خصوصاً في هذه الفترة الحرجة. وحين يتوجه رئيس الدولة برسالة إلي الشعب من خلال حوار تليفزيوني. فإن توقيت "بث" هذه الرسالة. هو جزء بالغ الأهمية في نجاح هذه الرسالة في تحقيق هدفها عند من يتلقاها. وتحديد التوقيت يجب أن يراعي أن يكون أولاً في "ذروة" المشاهدة التليفزيونية. حتي يراه أكبر عدد ممكن من المواطنين. وأن يكون ثانياً قبل أن تنتهي الصحف من طبعاتها المختلفة. حتي تتمكن من نقله إلي قرائها في اليوم التالي مباشرة. وليس بعد ذلك.. وأخيراً.. وهذا هو الأهم.. ألا تطول الفترة الزمنية بين الإعلان عن الحوار وتهيئة الجمهور له. وبين لحظة بث الحوار نفسه. حتي لا يمل الجمهور من الانتظار. هذه قواعد بديهية. وأظن أنه تمت مراعاتها عند الإعداد للحوار. فقد كان مقرراً أن يذاع في الثامنة مساء الأحد. وهو توقيت جيد سواء بالنسبة للمشاهدين أو للصحف.. ولم يكن بعيداً عن الموعد الذي بدأ فيه الإعلان عن هذا الحوار. لكن ما تم الإعداد له لم يحدث.. وتأخر بث الحوار إلي الساعة الثانية إلا ثلثاً من صباح يوم الاثنين. بعد أن نام معظم الناس. وانتهت كل الصحف من كل طبعاتها.. عدا الصحف المسائية فقط.. فلم يحظ إلا بأقل نسبة مشاهدة في أول "بث" له. وعزف من ناموا بعد طول سهر وانتظار ولم يلحقوا بأول بث له. عن مشاهدته بعد ذلك ضيقاً مما تعرضوا له. هل كان هذا مقصوداً؟!.. أن يتحول الحوار من فرصة تواصل مباشر بين رئيس الدولة وشعبه إلي فرصة لإحداث فجوة في هذا التواصل؟!!.. أم أنها "قلة خبرة"؟!.. أم أن الشعب ليس علي بال أحد؟!! ليست لدي إجابة عن هذه الأسئلة.. لكن كل التبريرات التي أعلنت بعد ذلك كأسباب لتأخير بث الحوار. أقل ما يقال عنها: إنها غير مقبولة. * * * تبريرات "فنية". مثل اكتشاف مشكلة في الاسطوانة التي تم تسجيل الحوار عليها.. وعدم توافق الكابلات الخاصة بها مع الأجهزة الموجودة في قصر الرئاسة الذي كان مقرراً أن يتم البث منه.. ثم اكتشاف مشاكل أخري في الصوت والصورة.. ثم رفض التليفزيون المصري إذاعة الحوار بشعار قناة "المحور" التي أجرته!! تبريرات مخجلة. ولا يتقبلها عقل. لأنها لا تحدث مع أي ضيف عادي في أي قناة. حيث يجري البث علي الهواء مباشرة طيلة 24 ساعة يومياً.. فكيف تحدث مع رئيس الدولة؟!! ثم.. متي تمت كل هذه الاكتشافات.. هل قبل بدء الحوار أم بعد انتهائه.. وبالتالي. هل كان مقرراً مسبقاً أن يذاع الحوار مسجلاً؟! * * * أياً كانت التبريرات أو التأويلات.. فنية أم سياسية. فإن السؤال الأهم هو: أين كان موقع "المواطن" في فكر كل الأطراف خلال 5 ساعات و40 دقيقة انقضت ما بين الموعد الأصلي لبدء بث الحوار في الثامنة مساء الأحد والثانية إلا ثلث من صباح الإثنين؟! لماذا لم يخطر ببال أحد أن يقدم له اعتذاراً عن تأخير بث الحوار. أو يشير إلي وجود أعطال فنية.. أو يقول إن الحوار سيبدأ بثه بعد ساعة مثلاً. أو ساعتين.. أو يصدر قراراً حاسماً بتأجيل البث إلي الثامنة من مساء اليوم التالي؟! هذا سؤال إنساني بسيط. قبل أن يكون سؤالاً سياسياً معقداً.. ثم هو قبل "الإنساني" وقبل "السياسي". سؤال "مهني" لمن يريد أن ينقذ سبقاً تليفزيونياً حققه. وحالت ظروف خارج إرادته عن إذاعته في التوقيت المقرر له. لقد ظلت كل القنوات طوال تلك الساعات. تحتفظ علي شاشاتها بنفس "التنويه" الذي لم يتغير. عن قرب بث الحوار.. إما تحت كلمة "عاجل". أو بعبارة "بعد قليل". وللأسف. فإن الطريقة التي تم اللجوء إليها في الهزيع الأخير من الليل لمحاولة إنقاذ الحوار قبل بدء بثه. وذلك بإذاعة أهم ما فيه من أخبار. قد أدت إلي ما نسميه في لغة الصحافة والإعلام إلي "حرقه". حيث لم يعد هناك ما يدفع المواطن إلي مشاهدته عند إذاعته. * * * هي تجربة صعبة بالتأكيد علي كل أطرافها.. هكذا أراها.. ولا يجب أن تتكرر. وهي. بنفس القدر. درس كبير. ومتعدد الأبعاد والمرامي لكل أطرافه أيضاً. ولا يجب أن يمر دون استخلاص كل معانيه. وهي ختام وبداية غير طيبين للجهاز الإعلامي بمؤسسة الرئاسة. في مرحلة مفصلية لهذا الجهاز. وهي مرحلة التسليم والتسلم.. من متحدث رسمي إلي اثنين من المتحدثين. بالإضافة إلي هيئة لم يكتمل تشكيلها بعد. ويكفي أن "ملابسات" الحوار قد صرفت الناس وأنا واحد منهم عن "مضمون" الحوار ورسالته. أكتب هذا كمهني. بصرف النظر عن اختلافي مع سياسات الحكم.. وأيضاً مع أداء المعارضة. لأن مصر ينبغي أن تظل فوق الجميع. من أجندة الأسبوع ** جربنا نظرية أن تحقيق الأمن والاستقرار هو الذي يفتح الطريق لحل مشاكل الشعب والنتيجة حتي الآن هو أنه لا الأمن والاستقرار تحققا.. ولا المشاكل حلت.. لماذا لا نجرب النظرية الأخري. وهي أن حل المشاكل هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار؟! ** أخطر ما يواجه مصر الآن في نظري انتشار وتمدد مظاهر وحالات الغضب في المحافظات من محافظة لأخري. أياً كان من يعبرون عنها.. سواء متظاهرين أم بلطجية.. ثم دعوة البعض للجيش إلي التدخل.. الأمران يحتاجان إلي أن نتوقف أمامها طويلاً طويلاً.. لأنهما لا ينفصلان.