في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي حصل فيلم بعنوان "عالم ليس لنا" علي جائزة اللؤلؤة السوداء للفيلم الوثائقي وكان يدور حول المخيمات الفلسطينية في منطقة "عين الحلوة" بجنوب لبنان والتي استطاع مخرج الفيلم مهدي فليفل أن يقدم صورة الانسان فيها وصراعه القاسي مع الماضي والحاضر والمستقبل بأسلوب يجبر المشاهد علي الخروج من نمطية التناول لهذا الموضوع والتي سارت عليها أفلام كثيرة قبله. إلي تأمل هؤلاء الناس واقامة جدل مع النفس حول الأنا والآخر. والأنا هنا تعني المواطن العربي والمواطن المصري أساسا أما الآخر فهو الفلسطيني الشقيق ثم يصل الأمر إلي الآخر العدو.. وفي "عالم ليس لنا" يرصد فليفل 64 عاما من اللجوء الاضطراري للفلسطينيين إلي هذا المكان الذي لجأ إليه أهله. ثم هاجروا إلي الامارات قبل أن تهاجر عائلته إلي الدانمارك وهو يبدأ رحلة الفيلم بسرد تاريخه الشخصي وكيف قضي طفولته في مشاهدة أفلام الكارتون بدبي ووقتها تعرف علي الكاميرا لأول مرة بسبب هوس والده بتصويره هو والعائلة في كل الأوقات وحيث علم متأخرا انه كان يرسل الصورة إلي العائلة في المخيم. وفي الصيف يعودون إلي عين الحلوة وحيث نمت ذكرياته وصنعت بداخله ذاكرة مستقلة تخص المكان وناسه تاركة لديه علامات مميزة مثل رفض جده المتكرر الانتقال من المكان ورفضه السفر للدانمارك ورفضه التصوير بافراط "لن أترك أبدا المخيم فأنا في انتظار وطني.. ولن أنساه أبداً".. متذكرا أيام النكبة وهجوم جيش مسلح من اليهود وخروج أكثر من 600 ألف فلسطيني إلي أماكن اللجوء يطرح المخرج خلال روايته للفيلم بصوته لقاءاته مع شخصيات متتالية تمثل أجيالا مختلفة. ورواياتها حول حياتها وأيامها في المخيم ومن حين لآخر يعود لتجربته الشخصية مع عائلته المهاجرة. ويدخل في مقارنات حول أحداث وصور الوطن من خارجه. سواء من مكان قريب هو المخيم أو بعيد مثل الدانمارك حيث البرد وعيش الناس داخل أبواب بيوتهم غالبا بينما يحدث العكس في المخيمات. فالناس يعيشون خارجا في الشوارع والحارات يعايشون الأحداث جماعات وليس فرادي. وهو ما نراه من متابعتهم لكأس العالم للكرة أمام شاشات المقاهي وذلك الصراع بين أبناء المخيم علي فوز البرازيل أو إيطاليا وهو صراع وصل إلي التقاتل مرة بين شباب يمتلك قوة تكفي العالم ويقف في انتظار وطن بعيد برغم قربه الشديد. وفي لقطة شديدة الايحاء يطير الريح صور عرفات والوفد المشارك معه في اتفاقية السلام 1993 فيما يرويه أبناء المخيم أمرمختلف الآن. السلام لم يعد سلاما. وكل مفردات الحل تغيرت ويعود المخرج إلي الدانمارك ومعه "أوراق الثورة" ومطبوعاتها ويبحث عن أغانيها وأناشيدها يتأمل بقية حمولته من المخيم. الصور العائلية القديمة. وصور زيارة شهداء ومقاتلي الثورة الفلسطينية. صور زيارته للقدس كأول واحد من عائلته يعود لجزء من فلسطين من فيلم لفيلم ومن شريط لشريط نري جنود إسرائيل وهم يعتقلون الفلسطينيين ويحرسون حائط المبكي "شعرت بأنني زرت موطن ناس آخرين" تذكر كلمات بن جوريون حول المنفي الفلسطيني "سوف ينسون حتما" تتداعي الذاكرة الفيلمية سريعا في نهاية الفيلم فالجد يرفض ترك المخيم حتي لا يضيع حقه في العودة. واجد العم - سعيد - يفكر في الهجرة لانه لا يستطيع العمل في لبنان. وثالثا تسلل من البقاع تهريبا إلي تركيا ثم اليونان ليحمل لقب "أبو إياد المتجول". يودع المخرج الجد وابن العم ويعود إلي لندن للتفاوض مع الشركة المساهمة في انتاجه وقد شعر بالارتباك في الذاكرة. وهو مرض لم يبرأ منه إلا بعد أن أنهي الفيلم الذي حصل علي ذهبيته الفيلم الوثائقي وجائزة النقاد الدوليين والفيبريس.. كأفضل فيلم في المهرجان وأيضا جائزة "نتباك" التي تقدم للسينما الآسيوية المبدعة في المهرجان.