مع أنني لم أكن مَن حمل الإثم والحقد في قلبه... والقنابلَ العمياء في سيارته... لم أكن مَن ضغط زناد التفجير... ليبدأ شلال الدم وفيضان الأشلاء... فإنني أشعر بالعار لما حدث.. أشعر بغُصة مؤلمة في القلب .. ومساحاتٍ فارغةٍ مشوَّهةٍ في الروح.. أشعر بالمسئولية عن دم إخواني المسيحيين والمسلمين الذي اختلط بالتراب والأسفلت.. على مشهد من صليب الكنيسة ومئذنة الجامع!! عن الابتسامات التي تم قصفها في مطلع عام جديد.. عن الحزن الذي تمكّن أخيرا من افتتاح ناطحة سحاب في كل قلب.. عن الدموع التي نزلت في غير أوانها.. والصرخات التي كانت آخر ما خرج من حناجر تستعد لإطلاق الضحكات المبتهجة بوعود العام الجديد.. أشعر أنني -مثل غيري- مُقصّر.. لأنني لم أكن هناك.. لم أتلق الشظية في قلبي.. ولم أسقط ضحية إرهاب أعمى.. لأنني ظللت حيا بعد أن ماتوا.. ويمكنني الكلام بعد أن صمتوا.. لأنني سوف أكتب هذا الكلام وأعود لممارسة حياتي بشكل طبيعي.. بعد أن لم يعد في وسعهم سوى أن يحدّقوا فينا بأعينٍ مفتوحةٍ لا ترمش.. ويلوموننا جميعا على هذه المفاجأة التي تلقوها -بدلا من الهدايا والتهاني!!- في مطلع العام الجديد.. واقفين.. الواحد إلى جوار الواحد ... إلى جوار الواحد... إلى جوار الواحد.. قابضين على أيدي بعضهم بعضًا.. تختلط دماؤهم بدماء من سبقوهم على نفس الحافلة.. خلفهم يرتفع علم مصر.. لكن بانكسار... ودون رغبةٍ حقيقيةٍ في الرفرفة كما تُصوّره عدسات التليفزيون دائمًا.. ينتظرون أن يأخذَ بحقهم أحدٌ... فهل وُلد ذلك "الأحد" بعد.... أم أن وقفتهم ستطول؟