بعد سنوات طويلة من الصمت قررت وفاء كسر جدار الخوف، حكت للأهل كيف كان والدها يتحرش بها ليلا ويعبث بجسدها الصغير منذ بلوغها 12 عاما. أب يعبث بجسد ابنته وكفر بالمعتقدات كثيرا ما تهمهم وفاء ربة منزل عشرينية شاكرة الله على نعمة الستر.. فقد كانت تعيش كابوسا فى منزل أبيها، دائما فى انتظار الشبح الذى يأتيها فى الظلام ليعبث بجسدها النحيل. "كنت أعتقد بأن الأب يعنى الحماية والسكن والأمان، لكننى عندما وصلت لسن البلوغ بدأت أكفر بكل هذه المعتقدات، فأبى لم يعد يمثل هذا الحارس الأمين على شرفى الذى هو عرضه أيضا. طمع فى جسدى منذ أن كان عمرى 12 سنة وتصور أنى بهيمة يمتلكها لإشباع رغباته المريضة هذا ما تقوله الصحفية دينا درويش في تحقيقها المثير بصحيفة الشروق المصرية. بوح وصراخ شعرت فى هذه الأثناء أننى مقهورة، ليس فقط بسبب ثلاثى الفقر والجهل والخوف، ولكن أيضا من هول الصمت الذى وجب علىّ التزامه"، بهذه الكلمات القليلة عبرت وفاء عن ألمها، وذلك بعد أن تزوجت من أول شخص دق على بابها وهى فى تمام السادسة عشرة ربيعا. ألقت بنفسها للمجهول حتى تفر من الجحيم الذى اكتوت بنيرانه طويلا. وهى الآن تستطيع أن تترك العنان لدموعها التى تنهمر على خديها، وتتكلم بعد صمت دام لسنوات.. تبوح، وتصرخ، بعد أن كتمت السر لأكثر من عشر سنوات خوفا من أن تنهار أسرتها. الانتحار طاردتها آلاف الأسئلة: لمن تعترف بالسر؟ لأمها؟ هل سيصدقها أحد فهى لا تمتلك دليلا؟ ماذا سيقول عنها الناس، فهى قطعة من أبيها ما يعيبه يشينها؟ من يستطيع حمايتها بينما القانون فى صف والدها وولى أمرها؟ فكرت مليا فى الانتحار، لكنها عدلت عن الفكرة، خوفا من عذاب الله. الأب وزوجة الابن استرجعت وفاء كل هذه الأحاسيس والأفكار، بينما تشعر الآن أنها قوية، وتتذكر بمرارة ما حدث، خاصة عقب محاولة جديدة للأب الذى استدرج أخيرا إحدى زوجات أبنائه الذين يعيشون معه فى البيت نفسه. ثورة عارمة انتابت كل أفراد المنزل الذين وقفوا ضد الوالد الأربعينى الذى يعمل خفيرا. أم وفاء جن جنونها، اتهمت زوجات الأبناء بالافتراء على الزوج، قذفتهم بأفظع الأشياء والألفاظ.. وشحنت أولادها ضد زوجاتهم، ليس ثقة منها فى زوجها ولكن خوفا على بيتها الذى صار كسفينة تصارع الأمواج ويحاول كل ركابها القفز منها للبقاء على قيد الحياة. الأم لم تتخيل أن تعيش دون ظل الأب والزوج، والأبناء تائهون بين تأكيدات الزوجات وسهام اتهامات الأم واهتزاز صورة الأب، خاصة أن الوالدين يشكلان قوة اقتصادية لها وزنها، فهم من يمتلكون البيت ويتولون تغطية نفقات هذه الأسرة الممتدة. وطالما ما شكل الأب نموذجا للكفاح بالنسبة لأولاده الذين تداولوا قصة كفاحه منذ أن هاجر الأب من إحدى قرى بنى سويف إلى القاهرة. فهو يستيقظ مثل سائر الحراس بالمنطقة مبكرا كى يمسح أكبر عدد من السيارات التى توفر له قوت اليوم، ورغم أنه مثل سائر أبناء قريته لم يلحق ابنته وفاء بالمدرسة فإنه قرر أن يعطى لأبنائه الذكور فرصة لحياة أفضل. كابوس المساء يواظب على الصلاة، لا يدخن سوى السجائر إذ يؤمن أن الحشيش والمشروبات الروحية حرام، بل كان يصر على ألا تلبس ابنته وزوجته مثل بنات مصر! يقسو على الأولاد ومع ذلك كانوا يحترمونه لاعتزازه بذاته.لم يكن أحد منهم يتوقع أن قناع الشرف الزائف يسقط ليلا، فيما عدا وفاء التى تعى تماما ما يحدث فور أن يخلد الأبناء الخمسة والأم إلى النوم. ففى هذه الحجرة الصغيرة التى لا تتعدى مساحتها ثلاثين مترا، كانت هذه الكتل من اللحم البشرى تتراص فيختلط الحابل بالنابل، الأبناء ينامون تحت الفراش الذى يضطجع عليه الآباء بينما يكون من نصيب وفاء مساحة ضيقة جدا من مساحة الحجرة. الأب وشهوة حيوانية رغم ضعفها وقلة حيلتها، قررت وفاء أن تقاوم حتى تحافظ على عذريتها اليوم بيومه، فكان عليها أن تلعب لعبة القط والفأر، فبمجرد أن تسمع وقع الأقدام كانت تجرى لتحتمى بدورة المياه وتغلقها بإحكام، لكن الأب كان لا ييأس إذ يسعى لدس آلات مدببة فى الباب كالمحموم حتى يقوم بفتحه، بينما تقف وفاء مكانها "متسمرة" وتحاول أن تضغط الباب بجسدها الصغير. كانت تخاف أن تغفو فيحدث ما لا يحمد عقباه. "كنت أموت خوفا وتعبا فى كل لحظة.. أتطلع لبزوغ الفجر وأقسم أن أخبر أمى أو السيدة التى أعمل لديها فى اليوم التالى، ثم أتراجع عن قرارى.أخاف أن أفقد عذريتى والتى لن يسامحنى أحد عليها ولن يدرى أحد أننى قد أكون ضحية لنزوات أبى. بل قد يقتلنى استكمالا لهذا المسلسل حتى يبدو أنه انتقم لشرفه خاصة وأن الرجل يبدو ماهرا فى تقمص الأدوار المختلفة وارتداء الأقنعة المتعددة. كنت استشعر برودة تلك الأيام، وكانت تدور برأسى شكوك حول بنوتى رغم أن هناك شبها كبيرا بيننا". حلم العذرية اليوم بيومه تهرول فى الصباح إلى عملها كخادمة فى أحد المنازل، ورغم قسوة ظروف العمل بالنسبة لطفلة فى عمرها فإن بيت "مخدومتها" كان بمثابة الواحة التى تهرع إليها من بطش الأب.أحيانا كان يداعبها النوم وهى تهدهد طفلها، تسترق بعض النعاس، لكنها تستميت للحفاظ على عملها فى كنف هذه الأسرة المحترمة. والدها كان يصر أن تعود لتنام مع عائلتها ليلا وربما أعطى هذا التصرف انطباعا إيجابيا لدى "مخدومتها" ظنا منها أن الأب رغم فقره يخاف بشدة على ابنته. وأحيانا كان يرضخ لإلحاح السيدة ويوافق على أن ترحل معهم ابنته للساحل الشمالى لقضاء إجازة الصيف. هناك فقط وعلى بعد مئات الكيلومترات كانت تستطيع أن تنام فى هدوء وسكينة، مع مجرد أمل شهرزادى فى أن تظل عذراء لليوم التالى. وعندما همت للزواج من شهاب كادت تقيم "دخلة" على الطريقة البلدى لا لشىء سوى لشعور دفين بالانتصار والصمود، هى التى تمقت مثل هذه العادات منذ ختانها رغما عنها وهى فى العاشرة. الأب ال"سيكوباتى" فوفقا لرأى الطب النفسى فإن الأب "سيكوباتى" أى مصاب بمرض نفسى يؤدى لانعدام النسق القيمى، فاللص مثلا قد يكون نسقه القيمى ضعيف أو مبتسر، أما هذه النوعية من الجرائم مثل زنى المحارم فمقترفوها يعانون عادة من غياب الضمير والقيم تماما. وتعتبر هذه من أصعب أنواع الاضطرابات النفسية فى معالجتها، بل قد تكون أحيانا مستعصية، فهناك حالات مرضية نسعى فيها لعلاج سلوك وأخرى لإصلاح أفكار ووجدان، لكن خلق نسق قيمى هو من الأمور الغاية فى الصعوبة من الناحية العلمية. هذه المشاهد من عذابات الحياة هى التى دفعت وفاء اليوم لتحطيم جبل الجليد، إذ قررت أن تأخذ صف زوجات أخواتها وتبرئ ذمتهن: "أكره أن أجلد زوجات أخوتى، كما كنت أخاف أن يجلدنى الناس، أمقت الظلم وأشعر أن الله الذى وقف بجانبى يستحق منى أن أدلى بشهادة حق". تصر على إسقاط الأقنعة حتى لو أصرت أمها على وضع رأسها فى الرمال، فالأم رفضت نصائح أحد المشايخ الذى أفتى بضرورة التفريق بينها وبين زوجها، كما أنها لا تستطيع أن تصارح زوجها بأنه مصاب بمرض نفسى، لأن ذلك قد يعنى لشخص فى مثل ثقافته أنه مختل عقليا، لكن وفاء تقول: "رفضت أن أشارك فى مثل هذه الجريمة وأشرد أبناء أشقائى بزعم أننا أسرة واحدة يجب أن تتستر على بعضها البعض". وفاء تزيد من طبقات الملابس كى تشعر بمزيد من الستر لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد منحت إخوتها مبلغا من المال حتى يستطيعوا أن يتركوا هذه الغرفة "المنحوسة" ويستقلوا اقتصاديا بعيدا عن بطش وسيطرة الأب والأم، إذ إن الأخوة لا يتجاوز عمرهم العشرين.تتنفس وفاء الصعداء، تزيد من طبقات الملابس التى ارتدتها كى تشعر بمزيد من الستر. * تم تغيير الأسماء بناء على طلب المصدر