أنا فتاة عندي 29 سنة، أعمل محاسبة بشركة كبيرة، والحمد لله جميلة ومن أسرة محترمة وميسورة. من ثلاثة أعوام، أحببت شخصا جدا لدرجة أنه أصبح كل حياتي، وحسيت إن هو ده الإنسان اللي ربنا خلاني أستنى كل ده علشانه وهيعوضني بيه. كنت أعطي دائما دون حساب ولا أنتظر الرد منه. يعني أنا اللي غالبا أسأل عليه وأتكلم معاه. هو كان بيقول لي إنه مش بيعرف يتكلم كويس زيي وإن الحب عنده مش كلام. فانتهزت الفرصة وفاتحته في موضوع ارتباطنا الرسمي لأن كده كتير. وده بعد ما علاقتنا استمرت لمدة 3 سنوات كاملة. اتهرب من الكلام وقال لي كل شيء بأوانه. بس فجأة اتغير تماما من ناحيتي وبقت كلمته الشهيرة "مش عايز أظلمك معايا". صبرت عليه كتير، وحاولت أفهمه وأعذره بس بدأ يتصرف بشكل غريب ويذلني بحبي ليه ويحسسني إني أنا اللي باجري وراه.. فافترقنا. بعد ما تعبت فترة واكتأبت، اتعرف عليّ زميل جديد في الشغل، وحسيت إنه معجب بي ولكن دائما يلازمني الخوف المستمر من نهاية العلاقة. فهل أحاول الحب مرة أخرى أم أبتعد؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: حسن الخلق في التعامل مع الناس من الثوابت التي جعل الله لها من الثواب ما هو معروف ومنصوص في القرآن. وحينما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابتسام في وجه بعضنا لم يشترط أن يكون تبسمك في وجه أخيك ردا على ابتسامته. مما يوصلنا إلى أن المبادرة بالحسنى من السمات التي يحثنا عليها الدين مع كل الناس وإن لم تربطنا بهم أي صلة. فما بالك إن كان ذلك مع الأقربين؟ وما بالك إن كان هنا فضل لطرف أو كان بينهما ود لوجود رابطة دم أو لرابطة يخططان لها وهي الزواج؟؟ هذا ما طرحته على نفسي لأنه يؤسفني أن ظاهرة التنصل من الحب وإذلال الحبيب أصبحت منتشرة الآن. مع أن الحب ارتبط بالعطاء ودون انتظار مقابل، ومع أنه أحيانا يحث على بالإيثار والتضحية، إلا أنه لا يعني مطلقاً الأخذ دون عرفان. ومع أنه يوجد أناس ممن يعطون ويؤثرون الآخرين على أنفسهم، فهناك أيضاً مَنْ يأخذون فقط وكأنه أقل حق لهم وكأن المعطاء مفروض عليه أن يعطي. وغالبا ما يتصف هؤلاء بأنانية وغرور قد يستحيل العيش معهما بسلام. ومع ذلك نجدهم يدعون أنهم أشد حرصا على الحب وعلى المحبوب منه نفسه ويظل الواحد منهم يلعب على هذا الوتر حتى ينقطع ولا يجد أمامه سوى الشعارات ليرفعها "أنا مش عايز أظلمك معايا"..، و"الظروف واقفة ضدنا و..و إلخ". لذلك، عليك أن تحمدي ربنا وتشكريه على فضله لأنك لم تدخلي في أي ارتباط لا فكاك منه مع ذلك الشخص. ولن أركز على ما حدث في تجربتك السابقة ولن أطيل الكلام فيما فعله هو معك لأن ما يهمني الآن هو الأثر الذي تركه في نفسك من خوف وتوجس من أي تجربة جديدة. قد يكون معك بعض الحق في أن تخافي من أي تجربة جديدة بناءً على ما سبق. ولكني أعتبر الخوف الزائد الذي يمنع الإنسان من المحاولة والذي يجعله غالبا ينظر إلى ما يتوجس منه خيفة بمنظار أسود قد يَعُم نظرته إلى الحياة بصفة عامة، نوعا من الضعف والسلبية التي لا تعود على صاحبها إلا بالخسارة. معك حق في الخوف لأن تجربتك الأولى كانت بهذا الشكل، ولأن بعضنا يقلق من المجهول ولا يساعده الخوف على المحاولة. ولكن يس معك حق لأنك عمّمت حكماً دون أن تتأكدي من صحته وأول سؤال يؤكد ذلك: هل ما كنت فيه كان حبا بالمعنى الحقيقي؟؟!! وإن كان حبا من طرفك أنت، فهل كان كذلك من طرفه هو؟؟ وليس معك حق للمرة الثانية لأنك لم تنظري إلى تجربتك من زاوية إيجابية. وسأظل أردد أن التجارب هي أكبر معلم للإنسان فيستفيد منها، ويتجنب عثراته في حياته المستقبلية، ويعرف نفسه والدنيا من حوله أكثر بما فيها من ناس وطباع وتصاريف أمور. وأعتقد أن أول استفادة يا عزيزتي ألا تتسرعي وتهبي مشاعرك دون ترو وتفيضي بها على من لا يستحقها. وثاني استفادة -وهي الأهم والتي أضع تحتها مائة خط أحمر- أن الحب ليس مبررا لامتهان كرامة الإنسان. بمعنى أنه ليس لأنني أحب فسوف أتخلى عن -ولو نذر يسير من- كرامتي وحقوقي كإنسان. والفرق بين أن تضحي في سبيل الحبيب وأن تتهاوني لأجله دقيق كالشعرة لكنه لا يخفى على أحد. وأنا لست مع من يقول: "ده أنا أعمل له خدي مداس" و"ضرب الحبيب زي أكل الزبيب". الانسياق وراء هذا المبدأ -من طرف واحد- لا يعود على صاحبه بشيء ولن يجد الحب في المقابل إلا إذا كان كلاهما يتبع نفس السياسة وكلاهما يهيم بصاحبه. أما عن الزميل الذي يبوح لك الآن وتخافين من التجربة ونهايتها، فبما أنك إنسانة ناضجة وعاقلة قد تجاوزت سن التهور والتسرع فأعتقد أنك أدرى بمصلحتك وأقدر على الحفاظ عليها. وأعتقد أيضا أن مرحلة الدخول في علاقات غير محسومة من أولها أو غير معروف مصيرها أو ليست علاقات جادة قد انتهى. وأنت الآن لست في الوقت الذي يسمح بتجربة حب فقط، بمعنى الحب من أجل الحب دون تخطيط وجدية في الزواج. عليك أن تنحي خوفك السلبي جانبا وتفكري في موقفك من منطلق عقلاني بحت وتعرفي أولا ما هدف الشخص الحالي؟ فإذا كان جادا في الارتباط بك رسميا فعليك أن تفكري وخذي وقتك لتعرفي هل هو مناسب لك أم لا كشريك للحياة من كل الجوانب سواء الظروف الاجتماعية أو الناحية الثقافية والاتفاق في الطباع وأسلوب التفكير. أما إن كان سيظل واقفا على بابك يلوح لكِ بيديه فتبتسمين أو تخافين، فلتغلقي الباب دونه. وفي الآخر أكرر أنه يجب عليك أن تنحي تجربتك السابقة وتلغيها تماما من تفكيرك إلا ما تعلمته منها، وانسي كلمة "أنا خايفة" حتى لا تصدقيها فتتحكم في تصرفاتك. تمنياتي لكِ بالتوفيق وأرجو من الله أن تكون هذه التجربة بداية لحياة جميلة تنسيك كل ما حدث في السنوات الثلاث. دعاء سمير