أكثر ما يصيبني بالحسرة عند مشاهدة قنوات ميلودي أن ملكيتها تؤول لرجل الأعمال جمال مروان الذي لا يعرف الكثيرون من مشاهدي القناة أنه نجل رجل السياسة والمال والأعمال الراحل أشرف مروان، الذي تزوج من الابنة المدللة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. أي أن ملكية قنوات ميلودي تؤول لحفيد الزعيم الراحل الذي نادي بالاشتراكية بعد قيام الثورة عام 1952، والقضاء على النظام الملكي بتغيير سلمي قام به رجال الجيش المصري حينذاك. ووسط هذا التغيير السلمي استطاع رجل الأعمال الشهير جمال مروان أن يحدث تدهورا سلميا في المجتمع المصري بعدد من الشخصيات التي ابتكرها للقيام بحملات ترويجية لقنواته الفضائية التي تبث على القمر الصناعي المصري "نايل سات" ويشاهدها آلاف الأسر المصرية التي تتنوع بين الفقيرة والمتوسطة والغنية.. هذه القنوات إن صح القول نجحت في ترسيخ نوع جديد من السلوك الملوث، فلو كان أشرف مستوردا لشحنات من اللحوم الفاسدة كنا سنغفر له لأنه على الأقل أطعم الآلاف لحماً وجعلهم يتعرفون على طعمه حتى ولو أصيبوا بعدها بنزلات معوية حادة أو تسمم ستنتهي آثاره بعد عدة أيام.. لم يكن ما يقدمه "مروان الابن" على قناته وليد الصدفة على الإطلاق بل كان مقصودا ما يقدمه سوءاً إيحاءات جنسية مريضة أو ظهور مجموعة من الفتيات والشباب الذين يتلفظون بعدد من الألفاظ التى لا يصح أبداً أن يتم تداولها على تليفزيون يشاهده الآلاف بمختلف الثقافات والفروق الاجتماعية. إن ما استطاع أشرف مروان تقديمه طوال هذه السنوات الماضية من جرعات فاسدة تتنوع بين إيحاءات جنسية وابتذال وسلوك لا يمكن أن نسمح بتفشيه داخل المجتمع المصري على الإطلاق لأنه يعبر عن انهيار أخلاقي وانحطاط متكامل العناصر. وفي الأخير وليس الآخر يقدم لنا وجبة جديدة من التنويهات عن قنواته الجديدة الدرامية ناجحاً في اختيار توقيت مناسب جداً وهو إطلاق القناة قبل شهر رمضان الذي تجتمع فيه الأسرة على مشاهدة المسلسلات الرمضانية المختلفة والتي تتنوع وتجذب الكثيرين من محبي الدراما.. بفترة كافية ليتم الترويج لها من خلال حملة إعلانية من إنتاجه ظهر في جزئها الأول تاركاً شخصية "حمزاوي" تستكمل إفساد الذوق العام برفقة السكرتيرة ذات النظرة الانتقامية من الرجل والتي تحمل نظرة عينيها الكثير من الإيحاءات الواضحة بالإضافة لتصرفاتها التي لا تحتاج لتفسير. مقدماً في هذه الحملة "بوبي" جديدة تقدمها "مدام رشا" التي سبق لها وقدمت مشهداً ساخراً من الفيلم الذي حصل على 11 جائزة أوسكار بعد أن كان مرشحاً لأربع عشرة جائزة أوسكار.. ومقدما عدداً من الشخصيات المبتذلة التي تتلفظ بعدد من الألفاظ المرفوضة داخل المجتمع المصري. ويبقى سؤال ملح كلما شاهدت حملات حفيد الزعيم الراحل.. لماذا يفعل بنا جمال مروان هذا؟.. لماذا اتخذ من الإسفاف منهجاً ؟ هل لإثارة الجدل حوله؟. في الحقيقة إن هذا الرجل لا يحتاج لإثارة جدل حوله ولا يمكن أن يكون ما قدمه طوال هذه السنوات الماضية محققاً له النجاح الذي يجعله يجلس بين ابنائه أو أحفاده ويتفاخر بأنه اكتشف "البوبي" أو "الميلودي مان" أو رسخ كلمات كانت ترفضها الأسُر المصرية على مختلف المستويات الاجتماعية.. فمن المستحيل اعتبار ما يقدمه فناً على الإطلاق لأن أساس الفن هو تقديم نوع من الرقى، ولا يمكن أن يكون ما يقدمه يحقق له نجاحاً وترويجاً.. فقد نجح فقط في شيئين: أولاً إفساد الذوق العام.. ثم جذب شريحة عريضة جداً بعنصر التشويق. اسمحوا لي أن أرفع القبعة لك يا جمال يا مروان وأن أقول لك إنك نجحت في إفساد الذوق العام المصري أكثر فأكثر فإلي الخلف، إلى التدهور، إلى التدني العام، إلى كل ما هو سيئ يا شعب مصر الحبيب لنُرضي من يلعبون في أفكارنا. فتحولت ثقافتنا إلى ثقافة "توك توك" صغير يجوب حواري مصر، ليست الحواري التي كان يفوح منها عبق التاريخ، أنها حواري من نوع آخر تفوح منها رائحة المجاري والفقر والمرض والجهل، تفوح منها عشوائيات المكان وشحوب وجوه الفقراء وتسول الأطفال.. توك توك صغير يقوده طفل لا يتعدى الثانية عشرة من عمره تفتحت عيناه على "سب الدين".. تربى على الفساد ليصبح فاسداً. قال الله تعالي:"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها". وقال أيضاً: "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".