أحاط الغموض بموت الدكتور اشرف مروان المستشار السياسي السابق لأنور السادات وزوج منى عبد الناصر الابنة الصغرى لجمال عبد الناصر، في العاصمة البريطانية الثلاثاء الماضى، وقد أثارت عمليات السقوط المتكررة لشخصيات عامة مصرية من شرفات لندن عاصفة قوية من التساؤلات والشكوك صب معظمها في ترجيح احتمال وجود شبهة قتل عمد للرجل الذي امتلأت سيرته بالتناقضات وبفيض من الروايات والحكايات المثيرة، كانت آخرها تلك المعلومات التي سربتها شخصيات استخبارية صهيونية عام 2003 ادعت فيها ان مروان كان عميلاً مزدوجا للمخابرات المصرية و"الموساد" في آن واحد قبل حرب أكتوبر 1973. وكانت الشرطة البريطانية "اسكوتلانديارد" اعلنت مساء الاربعاء في بيان مقتضب انها تلقت بلاغاً عن وجود جثة مروان (63 سنة) اسفل شقته في منطقة البيكاديللي بقلب لندن وانها تجري تحقيقا في اسباب الوفاة، مشيرة الى ان بعض المعلومات يفيد انه ربما سقط من شرفة شقته، الا انها لم تؤكد هذه الفرضية على نحو قاطع، واصدرت تعليمات الى عدد من الشهود بينهم الخادمة وثلاثة من معاوني مروان زاروه قبل الحادث بعدم الادلاء بأية معلومات قبل انتهاء التحقيق. وافادت مصادر مقربة من اسرة اشرف مروان في القاهرة، أن زوجته عادت من بيروت الى القاهرة مساء الاربعاء، قبل ان تغادرها صباح امس الى العاصمة البريطانية للاطلاع على سير التحقيق واعادة جثمان زوجها الى مصر. وقالت السيدة منى عبد الناصر ل"النهار" ان الاسرة تشعر بغضب شديد من الصمت الذي قابلت به السلطات المصرية "التسريبات والادعاءات الصهيونية الكاذبة التي حاولت النيل من سمعة رجل قدم خدمات جليلة الى وطنه، استحقت ان يتلقى تكريما رفيعا من الدولة"، في اشارة الى منح السادات مروان منتصف السبعينات من القرن الماضي وسام الجمهورية من الطبقة الاولى "تقديراً لجهده الوطني" في حرب 1973 ونجاحه في اختراق الحصار لامداد مصر في حينه بقطع غيار لبعض الطائرات الغربية التي كانت في حوزتها. واضافت المصادر ان اسرة مروان تشاطر القطاع الاوسع من الرأي العام المصري في شكوكه في ملابسات موته التي اعادت الى الاذهان ذكريات حادثين مشابهين حصلا ايضا في العاصمة البريطانية، اولهما في نهاية السبعينات من القرن الماضي واسفر عن موت قائد الحرس الجمهوري في عهد السادات الفريق اول الليثي ناصف الذي وجدت جثته اسفل بناية كان يسكن فيها وحده في العاصمة البريطانية بعدما اختلف مع الرئيس المصري الراحل، وقيل عند ذاك انه قد يكون انتحر بالقاء نفسه من شرفة منزله، وهو الاحتمال نفسه الذي رجح رسميا حين وجدت جثة الممثلة الذائعة الصيت سعاد حسني صيف 2001 اسفل شرفة شقة احدى صديقاتها، في البناية ذاتها التي كان يقيم فيها الليثي ناصف. واشارت الى انه، على رغم هذه الشكوك، لا تزال أسرة مروان تتريث في تقديم بلاغ رسمي الى السلطات القضائية المصرية يحضها على اجراء اتصالات بالحكومة البريطانية لطلب المشاركة في التحقيق الجاري في الحادث. واسترعى الانتباه ان وكالة "انباء الشرق الاوسط" المصرية سارعت، في الخبر الذي بثته مساء الثلاثاء عن موت اشرف مروان، الى تأكيد عدم وجود "شبهة جنائية في الحادث"، لكن مراسل الوكالة في لندن تحدث الى التلفزيون المصري في المساء ذاته وابدى شكوكاً في الملابسات والمعلومات التي تسربت عن الحادث.
من هو أشرف ؟
الرجل الذي أجريت له قبل موته خمس جراحات في القلب وفقد بسببها نصف وزنه، ولد في القاهرة في نهاية الحرب العالمية الثانية (1944) لأب ضابط في الجيش المصري ظل يترقى حتى تولى منصبا رفيعا في الحرس الجمهوري. وتزوج عام 1965 من ابنة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بعدما حصل بتفوق على بكالوريوس في الكيمياء من كلية العلوم بجامعة القاهرة، وكان ذلك سببا لالتحاقه بمعهد بحوث القوات المسلحة الذي انتدب منه للعمل موظفا صغيرا في سكرتيرية مكتب عبد الناصر. وعند وفاة الأخير عام 1970 كان مروان يتقاضى راتبا شهريا لا يتجاوز 35 جنيها مصريا، لكنه بعد ذلك وعلى رغم الخصومة الشديدة التي ميزت علاقة أسرة جمال عبد الناصر بالرئيس السادات، فان مروان بات من أكثر الشخصيات المقربة من السادات الذي عينه مديرا لمكتبه وكلفه الكثير من المهمات الحساسة في مصر والخارج, خاصة بعد دوره فيما سمى بقضية مراكز القوى, وما بين منتصف عقد السبعينات ونهايته، جمع أشرف مروان مناصب مهمة عدة في وقت واحد، فكان المستشار السياسي والمبعوث الشخصي للسادات في الكثير من العواصم العربية والعالمية، وكان في الوقت عينه رئيسا للهيئة العربية للتصنيع التي تولى فيها مهمة الاشراف على تنفيذ سياسة "تنويع مصادر السلاح" وانهاء الاحتكار السوفياتي لتسليح الجيش المصري. ومذ ذاك بدأ مروان رحلة انطلاقه وصعوده الى عالم المال والثروة ومن ثم دخوله نادي المليارديرات، وكانت العاصمة البريطانية منذ مطلع الثمانينات مركزا لنشاطاته الاقتصادية الواسعة وخصوصا (تجارة السلاح) التي كان واحدا من نجوم عالمها الغارق في الظلام.. ولأشرف إبن هو الزوج السابق لإبنة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وهو صاحب قناة (ميلودى) الفضائية, وكان قد تعرض لمشاكل مالية وصلت إلى حد منعه من السفر لإدانته بشيكات بدون رصيد كان قد أصدرها لرجل الأعمال (نجيب ساويرس).
الحكاية الصهيونية
واهتمت الصحف ووسائل الاعلام الصهيونية بخبر وفاة مروان وشكك معظمها في رواية موته موتا طبيعيا، وتناولت باستفاضة دوره "الخطير" قبل حرب أكتوبر 1973 وتمكنه من خداع جهاز الاستخبارات الصهيونى. وأوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" ان قادة "الموساد" الكبار يعتبرون ان مروان "تسبب باخفاق تام وكبير للموساد" وانه "صاحب الجريمة الكاملة". ووصفته صحيفة "معاريف" بأنه كان عميلا مزدوجا "تسبب بفشلنا في حرب يوم الغفران وجعل مؤسسة الموساد أضحوكة". وقبل اسبوعين، نشرت صحيفة "هآرتس" ان محكمة صهيونية حكمت على رئيس الاستخبارات العسكرية خلال حرب 1973 الميجر جنرال احتياط ايلي زعرا، لانه سرب اسم مروان مما عرض حياته للخطر. وأنهى الحكم نزاعاً قانونياً طويلاً بين زعرا ورئيس "الموساد" خلال حرب 1973 تسفي زامير. ففي عام 2004، أقام زعرا دعوى على زامير بعدما اتهمه الاخير بانه سرّب هوية مروان. وأكد عضو محكمة العدل الاسرائيلية العليا القاضي المتقاعد ثيودور أور الذي اتخذ صفة التحكيم في القضية، ان زعرا كشف هوية مروان. وقضت المحكمة بان يدفع زعرا تعويضاً لزامير وبتغطية نفقات التحكيم. وبدأت القضية قبل 14 سنة مع نشر كتاب لزعرا عنوانه "الاسطورة في مواجهة الحقيقة: حرب يوم الغفران – الاخفاقات والدروس". وفي هذا الكتاب يدحض المؤلف استنتاجات لجنة اجرانات التي حققت في أداء المؤسسة العسكرية قبيل حرب 1973 وخلالها، وتوصلت الى ان زعرا كان مسؤولاً عن اخفاق "الموساد" في التحذير المسبق من الحرب. لكن زعرا يقول في كتابه ان الاهمال كان نتيجة عملية خداع لعميل مصري عمل عميلاً مزدوجاً. وادعى ان العميل الذي لم يكشف اسمه، اخفى معلومات عن الاستعدادات المصرية للحرب مستفيداً من وضعه مصدراً موثوقاً به. وعلى رغم ذلك، فان اسم مروان قد سرب الى الصحف الاجنبية. وفي مقابلة مع القناة الاولى في تلفزيون الكيان كرر زعرا ان مروان كان عميلاً مزدوجاً. وبعد المقابلة اتهم زامير زعرا بتسريب اسم العميل الى عدد من الصحافيين، وقارن تصريحات زعرا في المقابلة باعمال موردخاي فعنونو الذي دين بتهمة الخيانة لتسريبه معلومات الى الصحافة الاجنبية عن المفاعل النووي الاسرائيلي. وصدر في لندن في ايلول 2002 كتاب للمؤرخ الاسرائيلي اهورن "روني" بروجمان عنوانه "تاريخ اسرائيل"، تضمن اشارة الى الجاسوس المصري باسم "العريس" نظراً الى علاقة النسب مع عبد الناصر. وحتى الآن لم تصدر عن السلطات المصرية أية إشارة إلى الواقعة, أو أية مطالبة بمراقبة التحقيقات أو حضورها رغم أهمية وخطورة الأدوار التى أداها مروان والتى يفترض معها مثل هذا الحد الأدنى من الاهتمام.