رحم الله الشهيد أحمد ياسين الذى كان يرى أن ما جاء بكتاب الله عن بنى إسرائيل ليس رواية أحداث بهم وإنما استنبط منها سنة الله وقانونه على بنى إسرائيل وأن سنوات التيه الأربعين لم تكن مصادفة وإنما هى دورة لهم كل أربعين سنة، وبالتالى تنبأ بحدوث تغيير كل دورة، وأن زوال دولتهم بإذن الله ستكون خلال العشرة سنوات القادمة،تذكرت هذه الرؤية وأنا أتأمل ما يحدث من الانقلابيين وما نقرؤه من قصة يوسف عليه السلام وزليخة امرأة العزيز، ويبدو أن القصص القرآنى يتجاوز الحدث ليخبرنا عن سنن الله مع الشعوب وما جبلوا عليه، وأرجو أن تعيش معى هذه الخواطر. امرأة العزيز تتهيأ ليوسف عليه السلام وتغلق الأبواب، وهذا المشهد بالتأكيد لم يغب عن غلمانه وجواريه وهم يرون المشهد بل ويساعدون عليه، ثم يأتى زوجها على مرآى ومسمع ممن فى القصر والجميع يرون كيف شوّهت امرأة العزيز سمعة يوسف عليه السلام وتتهمه بالتخطيط والتدبير للإساءة إليها ولا تحتاج لإثبات هذه الاتهامات "ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم"، والعجيب ألا يراجعها أحد أو حتى تقيم الدليل على اتهامها أو تترك الحكم للقضاء (قارن بين هذا الموقف وما نراه من طلب تفويض أو أمر يحدد هو صفة التفويض لكى يواجه ما سماه هو عنف محتمل)، ويأتى شاهد واحد فقط من أهلها ليقر قاعدة عقلية ومنطقية للتأكد من الاتهام "إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين"، ورغم قوة هذه الحجة إلا أنها مرت أمامهم جميعا دون إعارتها اهتماما اللهم إلا لتبرئة نظرية لا يترتب عليها قرار، بل كان القرار عكس نتيجة التحقيق "إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين" (ألا يذكرنا هذا بموقف الإعلام المصرى والنيابة والقضاء والذى تنتهى قراراته عكس ما يقدم له من أدلة).. والعجيب أن موقف الزوج يشابه موقف بعض النخبة المصرية والتى ترى الحقيقة وأدلتها ولكنها تتعامى عنها، ثم تحدث المأساة ويشيع الخبر فى المدينة ويعلم الجميع أن امرأة العزيز تراود يوسف عن نفسه، بل ويتداولون الخبر "وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها فى ضلال مبين"، وهم هنا يصفون الموقف بجلاء ودقة وتخشى امرأة العزيز فتقيم الدليل لهم بعذرها فى عشقها "... فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم"، (قارن بين هذا الموقف وقناعة المغيبين بكذب الانقلابيين وصدق الإخوان ثم تجد أعذارا من نوع: باعونا فى محمد محمود - أخطاء الإخوان فى الحكم - المسيرات تؤدى لتعطيل مصالح الناس... إلخ) ثم تعلن امرأة العزيز قرارها بجرأة عجيبة "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين". ثم تنتقل هذه الجرأة إلى بجاحة ممن بيده القرار "ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين"، أليس هذا عجيبا بعد ثبوت الأدلة على براءته أن يكون القرار بهذا الشكل أم أن إقرار النسوة بعذرها وسكوت الزوج وقبول مجتمعى لذلك أغرى أصحاب القرار باتخاذ قرارهم (أليس هذا الموقف مشابه لقرارات رجال النيابة والقضاء والشرطة بعد رؤية الأدلة بالاعتقال والحبس وتجديده.. إلخ، بعد أن ملئوا الدنيا صياحا بإرهاب الإخوان وحملهم للأسلحة فإذا بهم يعتقلون الآلاف دون أن يمسكوا بعصاة مع أحدهم ودون أى مقاومة) وأعجب أكثر حين أتذكر استشهاد ذلك الرجل الربانى المرشد العام (نحسبه كذلك والله حسيبه) بأن الإخوان يحاكمون بقانون زليخة فى أكثر من مناسبة فى لقائه مع العسكر وكان الله يريد أن يقيم عليهم الأدلة بما سيقومون به بعد ذلك. إذا سارت فئات كثيرة من المجتمع فى اتجاه واحد فقط هو معاقبة يوسف عليه السلام على صدقه وما منحه الله من جمال وانقسم المجتمع إلى: من اتهم يوسف ويعلم ببراءته. (الانقلابيون) من وافق على هذا الاتهام وقد اتضح له الموقف (المغيبون) من سكت ولم يجرؤ على إظهار الحق.(الصامتون ) من نفذ الحكم مع علمه بأنه جائر.(جنود الانقلاب ورجال النيابة) من حاول إيجاد الأعذار واتبع هواه.(النخبة - علماء الضلال - المنتفعون) ولكن هل استمر الموقف على هذا النحو أم تغير بعد ذلك حين تحققت: 1- رغبة حقيقية للملك بإصلاح شأن البلاد وغلبة هذا الهم عليه حتى فى منامه 2- شعور الملك بصلاح يوسف عليه السلاموكذب الاتهامات الموجهة له وظهر ذلك من شهادة زميله فى السجن ومن تأويله للرؤيا رغم ما أصابه من ظلم بل واستمرار هذا الظلم 3- إصرار يوسف عليه السلام على إظهار الحقيقة قبل خروجه وكان شرطه "ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن". والعجيب هذا التغير المفاجئ فى المناخ كله فالنسوة يقولن "قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء"، وامرأة العزيز تقول "الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين"، ولم يذكر القرآن آراء المجموعات التى ذكرناها من المجتمع لأن قرارها ليس بيدها وتغيرت تلقائيا بتغير المناخ، ولذلك يتساءل البعض كيف يكون الموقف والتعامل بعد انكسار الانقلاب بإذن الله وهناك فئات من المجتمع ما زالت مغيبة أو مشاركة فى الظلم... إلخ أقول إن كتاب الله أغفل ذكرهم لأنهم قبلوا ألا يكونوا رقما فى المعادلة، وأن يكونواإمعات تحركهم الشهوات والآخرين دون وعى أو إدراك، ولذلك أقول للمشفقين على المستقبل بإن الله سيكشف الحجب عن هؤلاء المغيبين ليروا الحقيقة، لكن لسبب يعلمه الله عز وجل لا يريد أن يكتب لهم جزاء الوقوف مع الحق والدفاع عنه إلا أن يسارعوا بالعودة لربهم وإعمال عقولهم وعدم إعمال قانون زليخة والوقوف بجانب الحق ضد الباطل. _____________________ أمين عام جماعة الإخوان المسلمين