الدعاة يهاجرون من أرضهم ليعمروا أرضًا أخرى بنور الله تعالى، يحركهم قوله تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ..) (الأنعام: 122)، أما البغاة فيهاجرون من أرضهم كى يلتهموا أرضًا أخرى يحركهم الشيطان والهوى، كما قال تعالى: (إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ . قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ...) (ص: 23-24). الدعاة أينما تحركوا يخافون الله ويلتزمون الأخلاق الراقية عاملين بقوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) (إسناده صحيح أو حسن)، أما البغاة فيلتزمون قِيم مجتمعهم فإذا خرجوا لغيره عاثوا فى الأرض فسادًا مثل "الفويسقة" تضرم على أهل البيت بيتهم، وهى الفأرة لا تخرج من جحرها إلا للإفساد. هجرة الدعاة هى لترويض عباد الله ليعبدوا ربهم ويُحسنوا إلى خلقه ويعمروا دنياهم ويصلحوا آخرتهم، أما هجرة البغاة فهى لإذلال عباد الله تعالى، وتخريب أخلاقهم، وتدمير منشآتهم، وإفساد آخرتهم. هجرة الدعاة رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وهجرة البغاة لعنة على أهل الأرض أجمعين: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ..) (البقرة: 205). هجرة الدعاة إحياء لموات القلوب: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..) (الأنفال: 24)، وهجرة البغاة قتل الشرفاء، وهتك الأعراض، وسلب الأراض. هجرة الدعاة قيادة الناس من عقولهم وقلوبهم نحو الهداية والرشاد، أما هجرة البغاة فقيادة الناس بالسلاسل والحديد والنار والسيف البتار نحو الغواية والفساد والقهر والاستعباد. أرقى مثال لهجرة الدعاة ما تحرك به النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه إلى المدينة ثم إلى الشام ومصر والعراق والهند والسند وبلاد ما وراء النهر وبلاد المغرب العربى والأندلس والقسطنطينية، حتى إن عمر رضى الله عنه يأتيه القبطى راكبا حمارًا من مصر إلى المدينة يشكو حاكم مصر وولده وهو مطمئن أنه لن يُخطف فى الطريق، أو يُغتال فى الصحراء، أو يُحبس فى سجن الطور فى سيناء، أو يَلقى من حجبة الخليفة عنتًا حتى يظفر بلقاء يحكى مظلمته دون رجفة الوجل من احتمال ردِّه كسيفًا ذليلاً، أما هجرة الأمريكان فهى قمة البغى والظلم والعدوان على الأبرياء، حيث جاء آباؤهم من أوربا ليقتلوا أكثر من 150 مليون هندى من الهنود الحمر، ويُبيدوا سكان أمريكا الأصليين، والآن تتحرك فى العالم كأنه "عزبتها" الخاصة؛ تأمر وتنهى والعبيد يبادرون للاسترضاء أيهم ألين وأسرع للسيد المطاع، وينهبون البترول والمعادن النفيسة والعقول الفذة ويسيطرون على منافذ الدول، ويُلقون الحِمم على المساجد وأبرياء أفغانستان والباكستان والعراق و.. ويدعمون فريقى الصراع فى اليمن والصومال، كما دعموا إيران والعراق معا فى حرب السنوات الثمان. ولو وقفنا أمام هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وتقديره لأبناء يثرب بكل طوائفهم فآخى بين الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار وعاهد يهود بنى قينقاع والنضير وقريظة، فلما نقضت بنو قينقاع عهدها حاربها وحدها لبغيها ولم يمس بقية قبائل اليهود، حتى إذا عاود يهود بنى النضير نزقهم وبغيهم، وهمَّوا باغتيال النبى صلى الله عليه وسلم حاربهم وحدهم دون مساس ببنى قريظة أبناء ملتهم، فلما غدرت بنو قريظة بالمسلمين وتحالفوا مع المشركين قتلهم عن بكرة أبيهم، فكان العدل ميزان الحكم، والفضل خُلق الدولة الإسلامية، أما صهاينة اليهود فقد قذف بهم الغرب بين أحشاء العرب ليصنعوا مغصًا دائمًا، وسرطانًا قاتلاً، ووباءً ماحقًا، وسيطروا على 96% من أرض فلسطين وطردوا 6 مليون فلسطيني، ويسعون بكل حماقة وجدية إلى تهويد القدس، وهدم المسجد الأقصى، دون استجابة لأى نداء حقيقى أو وهمى وآخرها بناء المستوطنات، وطرد العائلات من بيوتهم فى وضح النهار وظلمة الليل فى بغى منقطع النظير، ومساندة مفتوحة ومفضوحة، وصمت مشوب بالعمالة من أنظمة عديدة، وخيانات بالجملة ممن باعوا الأوطان للبغاة وحاربوا الأبطال الدعاة. وأمام هذا البغى بالجملة لا بد من اليقين أن للبغاة جميعا يوما ينزل فيه سوط عذاب، وأشد عقاب وسيبقى الدعاة فى حفظ من الله كما حفظ نوحًا ولوطًا وموسى ومحمدًا ومن آمن وهاجر معهم: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَى مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء: 227). فلا ييأسن مسلم أو مسلمة أبدا من انتقام الله تعالى من هؤلاء البغاة ونصرة الدعاة، فلنكن بحق دعاة، ولننتظر وعيد الله فى البغاة: (وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ) (الأعراف: 183).