لم نعتد من قبل أن يتعهد مرشح لرئاسة الجمهورية بتنفيذ خطة إنقاذ عاجلة خلال فترة زمنية قصيرة، فقد كان المرشحون قبل ثورة يناير واثقين كل الثقة من الفوز سواء رضى الشعب أو لم يرض، فالقانون ظل لعقود طويلة يقصر الترشيح على شخص واحد يعرض للاستفتاء العام، وحين تم تعديل الدستور فى 2006 ليسمح بتعدد المرشحين للرئاسة جاءت المادة 76 منه وهى أطول مادة فى الدساتير البشرية مفصلة على مقاس الرئيس ونجله، وإن كانت تسمح بوجود مرشحين آخرين إلى جانبه على سبيل الديكور الديمقراطى، ولم يكن أى منهم بحاجة لتقديم أى تعهد للشعب آجلا أو عاجلا. فى أول انتخابات رئاسية حقيقية تشهدها مصر بعد ثورة يناير، كان هناك تنافس بين المرشحين الجادين فى تقديم وعود انتخابية تعهدوا بتنفيذها خلال فترات محددة، وبالغ آحدهم بالوعد بحل مشكلة الأمن خلال 24 ساعة فقط، وتعهد الدكتور محمد مرسى بحل 5 مشكلات خلال مائة يوم، تضم الأمن والمرور والوقود والنظافة والخبز، وهى مشكلات متجذّرة فى المجتمع المصرى وتحتاج فى الظروف العادية إلى مدة أطول من المائة يوم، لكن تعهُّد المرشح أصبح دَيْنًا فى عنقه، وأصبح مقياسا لمصداقيته وفاعليته. من المؤكد أن الدكتور مرسى حين تعهد بتنفيذ هذا البرنامج كان واعيا لما يقول ومدركا لتعقيدات الموقف، ولكن ثقته بالله ثم بنفسه وبأنصاره وبشعبه دفعته لإعلان هذه التعهدات التى يحصيها عليه المعارضون له والطامحون فى فشله، فهل يقف المؤيدون والداعمون له والذين وثق بعد الله فيهم موقف المتفرج والمتكاسل؟!. فى كلمته إلى الشعب لتهنئته بحلول شهر رمضان دعا الرئيس محمد مرسى إلى حملة قومية للنظافة غدا وبعد غد، بالمشاركة بين الأجهزة الرسمية والجهود الأهلية، وقد تشكلت بالفعل العديد من اللجان الأهلية فى المدن والأحياء من ممثلين لقوى وطنية متنوعة لا يجمعها إلا حب مصر والالتفاف خلف الرئيس المنتخب، وشرعت هذه اللجان فى رفع الواقع والتعامل معه، كل فى محيطه لأهم المشكلات التى تحتاج إلى مواجهة عاجلة، سواء فيما يخص النظافة أو الخبز أو الأمن أو المرور أو الوقود، وأنجزت تلك اللجان خلال الأيام الماضية وقبل نداء الرئيس العديد من المهام المتفرقة، ونجح بعضها فى توفير الأمن فى محيط خدمتها، كما نجح البعض فى توفير الخبز دون عناء، ونجح البعض فى بعض عمليات النظافة والتجميل، لكن هذه الجهود ظلت مبعثرة، لا تلقى اهتماما ولا تغطية إعلامية، فلم يشعر بها إلا من لمسها بنفسه، ومن هنا فإن دعوة الرئيس بتخصيص يومى غد وبعد غد لحملة قومية على مستوى القطر كله للنظافة والتجميل، ستحظى بتغطية إعلامية وبتنافس كبير بين محبى مصر، وأتوقع أن تنجح الحملة خلال هذين اليومين فى رفع آلاف أطنان القمامة والرتش من الشوارع والطرقات ومقالب الزبالة. من المهم أن يشارك فى هذه الحملة خطباء المساجد وكهنة الكنائس؛ لحث الناس على المشاركة، ومن المهم أن يتحمل الإعلام القومى والحزبى والخاص مسئوليته الوطنية فى دعم هذه الحملة، ومن المهم أن تتعاون الأجهزة المحلية بكل طاقتها لتنفيذ هذه الخطة، فهذا التعاون سيكون مقياسا لفاعليتها وسببا لترقيتها، أو ربما سببا فى معاقبتها، والأهم من كل ذلك هو المشاركة الشعبية الواسعة، فليس مقبولا ممن وقفوا طوابير طويلة من قبل لانتخاب رئيسهم وسهروا الليالى فى الحشد والتعبئة وفى الاعتصام فى ميادين الحرية، أن يقفوا الآن متفرجين أو متكاسلين، بل الصحيح أن يسجل كل منهم اسمه فى أحد الملفات الخمسة فى منطقته، ويشمّر عن ساعديه ما تبقى من هذه الأيام المائة وما هو بكثير. وإذا كانت خطة المائة يوم تحتاج تعاونا جادّا ومخلصا من رجال الأمن لتطبيقها فى كل المحاور، فإن المشكلة الآن أن ضباط الشرطة فى حالة قلق وترقب؛ انتظارا لحركة الترقيات والتنقلات، فكثير من الضباط الآن يبدون غير عابئين بأى شىء؛ لأنهم لا يعرفون إن كانوا سيستمرون فى أماكنهم أم سينقلون منها، ومن ثم فإن المطلوب بشكل عاجل الآن من رئيس الجمهورية هو إصدار هذه الحركة حتى يستقر هؤلاء الضباط نفسيا، ويمكنهم بالتالى التعاون فى تنفيذ خطة المائة يوم كل فى مكانه. أما مشكلة الخبز فهى معقدة ومتعددة الوجوه، ولا يمكن حلها بشكل كامل فى مائة يوم أو حتى فى مائة شهر، ولكن المطلوب بشكل عاجل هو حل مشكلة التوزيع والقضاء على الطوابير، وهناك العديد من الأفكار التى أخذت طريقها للتنفيذ فعلا لحل هذه المشكلة مثل فصل الإنتاج عن التوزيع، ومراقبة المخابز عبر لجان شعبية لمنع سرقة الدقيق، لكن من العدالة أيضا مساعدة أصحاب المخابز فى تحقيق هامش ربح يعينهم على استمرار العمل والإنتاج دون الحاجة لتهريب الدقيق أو تخفيض وزن الخبز. أدرك أن لجان التحالف الوطنى فى كل مكان تعمل الآن بكل همة ونشاط، وهى لجان تضم ممثلين لحركات وقوى سياسية متنوعة منها حركة 6 إبريل وحملة الدكتور أبو الفتوح وحملة حازم أبو إسماعيل والأحزاب السلفية وبعض الجمعيات الأهلية والكثير من المستقلين إلى جانب ممثلى حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، وأتوقع مشاركة كبيرة فى حملة وطن نظيف غدا وبعد غد، لنشهد مليونيات النظافة فى كل مكان تنافس المليونيات السياسية والمطلبية، وأتمنى أن يكون فى مقدمة المشاركين فى هذه المليونيات كبار المسئولين الشعبيين والتنفيذيين وعلى رأس الجميع الرئيس محمد مرسى شخصيا، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ونوابه، وأعضاء مكتب الإرشاد، وقيادات حزب الحرية والعدالة، وقيادات حركة 6 إبريل، والأحزاب الوطنية والإسلامية الأخرى الداعمة للحملة، وأحلم فى نهاية يومى الحملة برؤية شوارع نظيفة خالية من القمامة ومخلفات البناء والإشغالات، وما ذلك على شعب مصر بكثير.