ليس خفيا على أحد الموقف الذي اتخذته الكنيسة القبطية من تأييد الانقلاب العسكري في 30 يونيو، والذي ارتكب جريمة إزاحة الشرعية الدستورية عن البلاد، وأهدر أصوات الملايين من المصريين الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع. ومما لا شك فيه أن آثار وتداعيات ذلك الموقف الذي اتخذته الكنيسة أكبر من رؤيته أو التوقع به في المرحلة الحالية، فضلاً عن توقع آثاره الكارثية على علاقة الكنيسة بالمسلمين المصريين، تلك الآثار التي لن تظهر في مرحلة الكفاح الثوري الشعبي السلمي ضد الانقلاب العسكري، ولكنها لن تلبث أن تظهر فور انتهاء تلك الأزمة ما لم يعيد القائمون على الكنيسة دراسة موقفهم والعودة للانحياز لخيار غالبية الشعب المصري وفق آخر انتخابات رئاسية وأول انتخابات حقيقية تتم في البلاد. ومن المؤكد أن شريحة كبيرة جداً من المسلمين قد أحسوا أن الكنيسة قد خلعت عباءة الوطنية وارتدت العباءة الطائفية، مما يزيد من الإحساس بالاحتقان الداخلي الذي تكلمنا عنه لدى قطاعات من المصريين. والغريب أن موقف الكنيسة الحالي وحساباتها الخاطئة مبنية على استهداف تحقيق مصالح طائفية محدودة تخص الكنيسة نفسها وقياداتها التي تتمتع بامتيازات ضخمة يختصون بها لأنفسهم حتى دون المسيحيين المصريين، مما يجعل الكنيسة نفسها بعد أن تلاعب بها مبارك طوال العقود الماضية ضمن منظومة الفساد الذي زرعه ووطنه مبارك في البلاد، مثلها مثل باقي فروع مؤسسة الفساد، وتسعى كما تسعى باقي فروع الفساد الأخرى مثل القضاء والأزهر والشرطة والجيش للاحتفاظ بمصالحها ومكتسباتها في ظل منظومة الفساد في مصر. بين طريقين .. لذلك كله أعتقد أن الاوان قد حان بعد ارتكاب جريمة القتل الآثمة والمنكرة لمواطنينا المصريين أمام كنيسة الوراق، أن تعيد الكنيسة الأرثوذكسية التفكير من جديد واختيار الطريق الصحيح في صف غالبية الشعب المصري الحقيقي، وليست الأغلبية المزورة والمصطنعة إعلاميا في 30 يونيو، بدلاً من الاستمرار في معسكر الانقلاب الذي دبر عملية القتل الآثمة كما سبق أن دبر مذبحة كنيسة القديسين بالإسكندرية، وكذا مذبحة ماسبيرو، ومن قبل ذلك وبعده مذبحة فض اعتصام النهضة وفض اعتصام رابعة العدوية، أم أنكم قد نسيتم؟! ولست أفهم أسباب انحياز الكنيسة للعسكر، ومدى صدقه والإيمان به، خاصة وأنهم يعلمون أن العسكر لا أمان لهم، خاصة لو - لا قدر الله - استتبت لهم الأمور في البلاد، حيث سيطيحون بكل من ساندهم أو وقف إلى جانبهم من مؤسسات وشخصيات عامة وأحزاب، وهو ما بدأت بوادره تلوح في الأفق حتى لا يكون لأحد عليهم من فضل. أما في حال لم تعِ الكنيسة دروس التاريخ، واستمرت في خيارها اأول والمتمثل في الاصطفاف بجانب الانقلاب العسكري، فلن أفاجأ لو علمت يوماً ما أن الكنيسة نفسها كانت ضالعة في ارتكاب تلك الجريمة ضد أبناء مصر (مسيحيين ومسلمين لا فرق) بالتعاون مع داخلية وبلطجية الانقلاب، أو أنها تتاجر بدماء المسيحيين المصريين في سبيل احتفاظ قساوسة الكنيسة بما يتمتعون به من مزايا وممتلكات وحصانات زائفة ومؤقتة، وهذا ما لا أتمنى أن يحدث. وهامساً في أذن الجميع، وأتمنى على الله أن لا أرى مخططًا جديدًا ينتمى إليه بعض الأطراف من داعمي الانقلاب العسكري بالتعاون مع الغرب لتقسيم البلاد، وأتمنى أن تصل رسالتي هذه إلى الجميع ممن وقف في صف الانقلاب. فهل وصلت الرسالة؟