إلغاء الدعم قادم تدريجيا وسيعقبه ارتفاع للأسعار واتجاه لنظام الخصخصة بالكامل يوسف إبراهيم: شعار العدالة الاجتماعية تخدير للرأي العام والانقلاب لن ينحاز للشعب زينب صالح: جزء من نموذج رأسمالي تفرضه أمريكا يستهدف استمرار تبعية مصر سامية خليل وصافيناز صابر تتجه حكومة الانقلاب إلى إلغاء الدعم ورفعه عن السلع الأساسية التي توفرها الدولة للمواطن البسيط والتي تُعد أبسط حقوقه، لتُفند بذلك الشعار البّراق الذي دائما كانت ترفعه وتردده طيلة الفترة الماضية وهو" تطبيق العدالة الاجتماعية". ولعل القرار الأخير الذي أعلنته حكومة الببلاوى – وإن كانت محل دراسة – وهو رفع دعم الكهرباء عن شرائح معينة، يكشف عن أنه لن يكون هناك مكان للفقراء في ظل نظام رأسمالي كامل، وتؤكد أن ما ترفعه من شعارات عن وصول الدعم لمستحقيه وتطبيق العدالة الاجتماعية هي مجرد دعايا وتخدير للرأي العام. وحقيقة الأمر تلك الحكومة لن تصطدم أو تقترب من الشبكة الحقيقية المستفيدة من الدعم وهي دائرة ضيقة النطاق عبارة عن مجموعة من رجال أعمال إما جاءوا بالحكومة أو أعضاء فيها أو داعمين لها ومصالحهم مشتركة، ولكن من المتوقع أن يتم رفع الدعم تدريجيا عن الفقراء ولصالح الأغنياء خاصة فيما يتعلق بدعم الطاقة. وتجدر الإشارة إلى التقرير الصادر عن وزارة المالية عن شهر سبتمبر والذي يوضح أن عجز الموازنة الكلي للدولة خلال شهري يوليو وأغسطس 2013 سجّل نحو 40.038 مليار جنيه في حين كانت وزارة المالية تستهدف الوصول بالعجز إلي 9.1% خلال العام المالي 13-2014 ليصل إلي 186 مليار جنيه بمعدل شهري 15.5مليار جنيه . ويفيد التقرير أن العجز المحقق نتيجة زيادة المصروفات الحكومية البالغة 73.88 مليار جنيه، مقابل انخفاض الإيرادات العامة البالغة 34.1 مليار جنية. الخبز والكهرباء والبنزين خرجت علينا وزارة كهرباء الإنقلاب مؤخرا بقرار أعلنت أنه مازال محل دراسة تضمن رفع الدعم عن 2٪ من إجمالى مستهلكى الكهرباء فى مصر والذين يتراوح استهلاكهم الشهرى من 650 – ألف كيلو وات، على أن يتم دراسة كيفية توفير هذا الدعم للفقراء واستخدامه فى صيانة الوحدات وغيرها، مع العلم أن قيمة الدعم المخصصة للطاقة تزيد عن 128 مليار جنية. ينطبق هذا القرار على شرائح عدة وهى الرابعة والخامسة والسادسة والتى تعد بمثابة المورد الأكبر للوزارة أعلى تكلفة يتحملونها تبلغ 67قرشا، وقبل ارتفاع أسعار الكهرباء بلغت قيمة استهلاك الشريحة الرابعة نحو32 قرشًا، أما الشريحة الخامسة والتي تبدأ من استهلاك 651 كيلو - 1000 كليو وات، فقد كانت قيمة الكيلو وات 46 قرشًا، أما الشريحة السادسة والتي يزيد استهلاكها عن 1000 كيلو وات وهي في الغالب خاصة بالشركات والمصانع والمحلات التجارية والتي كانت تحاسب على قيمة 58 قرشًا للكيلو وات. هناك نموذجا آخر وهو قيام حكومة الإنقلاب بإلغاء منظومة الخبز الجديدة " تحرير سعر الدقيق" وإعلان وزير التموين محمد أبوشادى إعادة النظر فى هذه المنظومة، وهو ما يؤدى إلى إهدار مايزيد عن 16 مليار جنية كانت مخصصة لدعم رغيف الخبز ومن ثم يضل الطريق إلى مستحقيه، حيث يفتح مجالا لتهريب الدقيق فى السوق السوداء. وكانت المنظومة الجديدة التى أقرها الدكتور باسم عودة وزير التموين السابق قد حققت نجاحا كبيرا بعد تعميمها فى الكثير من المحافظات، وكانت من شأنها تمنع تسريب الدقيق المدعم وتعمل على تحسين جودة رغيف الخبز ووصوله إلى المواطنين، ومن ثم ترشيد الدعم فضلا عن وصوله إلى مستحقيه. و ترددت أنباء فى العديد من وسائل الإعلام عن أن حكومة الببلاوي تتجه لإلغاء الدعم على الخبز ورفع قيمة الرغيف إلى 10 قروش بدلاً من 5 قروش. ولا يختلف الحال بالنسبة للمقررات التموينية حيث اعترف رئيس وزراء المؤقت حازم الببلاوى بأن حكومته تعانى صعوبة وضعف فى توفير موارد الطاقة وكذا توفير السلع التموينية حتى عام قادم. ألغت هذه الحكومة والسلع المحسنة التى تقررت فى عهد مرسى فى الشهريين الاخيرين، ولم تكتفِ بذلك بل كانت تنتوى رفع الدعم العينى عن السلع التموينية، وإعطاء الفرد الدعم النقدى بدلا منه حيث يكون نصيبه 30 جنيها وهذا ما تناقلته وسائل الإعلام، إلا أن وزارة التموين كعادتها نفت هذا وقالت " لن نتحول للدعم النقدى". ولم تسلم المواد البترولية من هذا النهج حيث أعلن شريف إسماعيل – وزير البترول- أن قرار إلغاء الدعم عن المنتجات البترولية محل دراسة، مشيرا إلى أن تأثيره سيمتد إلى قطاعات أخرى مثل الكهرباء وغيرها. فشل حكومة الانقلاب وتعليقا على قرارات حكومة الببلاوى المتخبطة يرى الدكتور يوسف إبراهيم- أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر- أن حكومة الببلاوي الانقلابية لن تطبق معايير عادلة سواء المتعلقة بملف الدعم أو غيره ولن توفق أو تنجح في أي ملف، مؤكدا أنهم لن يصدقوا في أي شيء ولن تستطيع تطبيق أي إجراء يحقق مصلحة أو عدالة لصالح الفقراء أو عامة الشعب، لأن هذه الحكومة بكل ما تنتهجه من سياسات وإجراءات وما يتبعون من أساليب أعضاء الحكومة تعتقد أنها يجب أن تخدم الحكم الحالي ولا يقصدون بها خدمة الجماهير، وإنما خدمة مصالحهم الخاصة والشخصية والفئوية التي تقتصر عليهم هم ومَنْ يدعمونهم من رجال الأعمال والمستفيدين منهم في إطار شبكة يخدمون فيها بعضهم البعض في إطار دائرة ضيقة ونخبوية للغاية. ويؤكد أن هذه الحكومة لن تحقق أي شعارات براقة تعلنها عن رفع الدعم عن أغنياء لمنحه لفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية هو مجرد شعار لأنه لن تستطيع حكومة جاءت بناء على ظلم واضح أن تحكم بالعدل ومعاييره في أمر ما سواء فيما يخص الدعم أو غيره بل هي محاولات وتوجهات لفظية بلا مضمون، وفعليا وعند اختبارها بالواقع لن نجد محصلة حقيقية، بل فقط دغدغة للمشاعر. ويرجع إبراهيم سبب عجز هذه الحكومة الانقلابية عن تطبيق وإدارة ملف الدعم بما يخدم الناس إلى أنها لن تقوى على مواجهة المستفيدين الحقيقيين من شبكة الدعم، وهم إما أعضاء بالحكومة أو متنفذين فيها أو مساندين وداعمين لها، فالأغنياء ورجال الأعمال الواجب رفع الدعم عنهم يمتلكون وسائل التأثير في الرأي العام بما لديهم من وسائل إعلام، والحكومة تريد استمرار استقطاب الناس من خلالها فتخشى إغضابهم، وهؤلاء هم سند الحكومة، ورجال الأعمال لديهم مصانع استهلاك الطاقة، وهم من بالفعل يستفيد من الدعم وهم جميعا في فئة ودائرة واحدة، والحكومة لن تخسر داعميها رغم أنهم فئة قليلة لا تمثل أغلبية الشعب، مشددا أنه لن يشهد لا عدالة اجتماعية ولا حرية على أيدي هؤلاء. ويوضح أن رفع الدعم وإلغاءه سيتعارض مع مصالح الأغنياء وهؤلاء لن تحملهم الحكومة أعباء جديدة، لأنهم سندها، وإلغاء الدعم من المصانع المستهلكة للطاقة لن يحدث، متوقعا أن يتم التضييق على مستهلكي الكهرباء العادية في الإضاءة فقط، أما دعم الطاقة الموجه للصناعات المستهلكة للطاقة مثل الأسمنت والسيراميك والمصانع الضخمة لن يرفع عنها الدعم، فهذه النخبة المتنفذة النافذة في الدولة ورجال أعمال هم إما أتوا وجاءوا بالحكومة وإما أعضاء فيها أو داعمين لها وبالتالي سيرفع الدعم عن شريحة مستهلكة للكهرباء من الناس للإنارة، وليس المصانع الكبرى الضخمة المستهلكة فعلا لمعظم الدعم، بينما المفروض رفع الدعم عنها لأنها تستهلك الجزء الأكبر منه. وينوه أستاذ الاقتصاد إلى أن رفع الدعم عن هذه المصانع الكبرى المستهلكة كميات كبيرة من الطاقة سيؤثر فعليا في العائدات المالية للدولة، أما رفع الدعم عن كهرباء الإنارة إيراده محدود نسبيا. ويتابع قائلا "ما ترفعه حكومة الببلاوي الانقلابية محاولات وقتية وما ترفعه لن تنفذه لأنها لا تحمل مشروعا للإصلاح ومن ثم تتحرك في مواقع متفرقة وما تعلنه يمثل دعايا وتخديرا للرأي العام لكن عند التطبيق لن نجد لها مشروع للإصلاح العام بأي حال. ويؤكد إبراهيم أن ما سبق وأوضحه ينطبق على جميع ملفات الدعم سواء الكهرباء أو الطاقة أو الخبز، فحكومة قنديل استقرت على رغيف محسن للخبز يصل كل الناس، الآن الرغيف عاد سيئا وما زالت الطوابير موجودة، ومشروع د.باسم عودة وزير التموين قضي عليه وهو دليل على فشل حكومة الببلاوي بل تمثل ردة عن ما تم من إصلاح. ويشير إلى أن ما ينبغي أن يكون والمفترض شيء والواقع الحقيقي لما تنتويه وتطبقه حكومة السلطة القائمة وحكومة الببلاوي الانقلابية شيء آخر فالدعم والخدمات المختلفة بالمجتمع وبخاصة مجال الطاقة وأمثالها يجب أن تكون موجهة لمن يستحقون الدعم وهم المحتاجون من الطبقة الوسطى والدُنيا، فهؤلاء من يستحقون الدعم أما دعم الأغنياء فأمر غير مقبول لذا ينبغي أن يتم تتبع الدعم لضمان وصوله لمستحقيه، لأن نظام الدعم القائم لا يعلم فيه من الذي استفاد منه تحديدا ومثال ذلك الكهرباء التي يستخدمها الأغنياء بتوسع كبير، والتوجه إلى أن حجم الاستهلاك مؤشر على الشخص فقير أم متوسط مقبول لرفع الدعم عن الغني والكبار المسرفين ويبقى الدعم لمستحقيه. السيناريو الأمريكي من جانبها ترى د.زينب صالح -أستاذ الاقتصاد - أن إلغاء الدعم هو أحد وسائل العولمة من قبل ثورة 25 يناير وهي ضمن منظومة تفرضها الدول الكبرى على الدول النامية وتجبرهم على رفع الدعم ضمن منظومة الخصخصة والنظام العالمي الجديد واتفاقية منظمة التجارة العالمية، فأمريكا هي الدولة المهيمنة على العالم والقطب الأوحد وتفرض نظم اقتصادية على الدول لتحقيق مصالحها وكذلك الاتحاد الأوروبي يفرض ضوابط وبنود باتفاقيات منها إلغاء الدعم وإلغاء دور الدولة الاجتماعي، وتجعل المسئولية الاجتماعية على الشركات والقطاع الخاص بحيث يتولى كل شيء ويقلص دور الدولة تماما بحيث لا يكون للدولة أي دور والفقير لن يرعاه أحد. وتشير إلى أن السيناريو الذي تطبقه أمريكا معروف وتعمل عليه منذ سنوات على مختلف الأنظمة في مصر وحتى الآن ويقوم على إلغاء الدعم أولا يعقبه ارتفاع الأسعار بحيث تصل للمستوى العام للأسعار العالمية، واستمر هذا الاتجاه قبل وبعد الثورة. وتحذر صالح من استمرار الدور الأمريكي والدول الأوروبية في تطبيق النموذج الرأسمالي في مصر الذي انكشف وجهه القبيح، حيث سيفرض على مصر فرضا معتبرة ما أعلنته السلطة القائمة من اتجاه لرفع الدعم ليس مفاجئا، ولا مجال للفكر الاشتراكي ودور القطاع العام وحقوق الفقراء، مؤكدة أن أمريكا تضغط لتطبيق نموذج اقتصادي معين وسعت في فرضه على جميع الحكومات المصرية، وستظل تضغط لاستعادة تطبيق الخصخصة ومن ضمنها إلغاء الدعم. وتتوقع صالح أن الحكومة القائمة ستطبق إلغاء الدعم بشكل تدريجي وستتجه لنظام الخصخصة الكامل فلا دعم نهائي ومستوى الأسعار العالمية، وأكدت أنها قرأت عن إلغاء الدعم عن الكهرباء ثم تم نفي ذلك رسميا، موضحة أن إلغاء الدعم قادم حتى لو تم نفيه، وسيلغى الدعم تدريجيا، متمنية أن يطبق على شريحة الأغنياء والشريحة العليا كما يقال، خاصة وأنه لم يطبق للآن الحد الأقصى للدخول؟ بينما يجب وصول الدعم لمستحقيه وتطبيق معايير عادلة على الجميع. وتضيف أستاذ الاقتصاد " إن أمريكا تسعى لتحقيق مصالحها من خلال فرض نموذج رأسمالي كامل في مصر بحيث تبقى هي المنتج والمصدر ومصر ضعيفة مستوردة، مطالبة بضرورة تفعيل ثقافة العمل والإنتاج والاستقرار لدوران عجلة رأس المال والعمالة ومن ثم التصدير، فتقل تدريجيا الضغوط الخارجية على اقتصاد مصر، فأمريكا تفرض شروط مجحفة، بينما ضعف الداخل وانقسامه يضعف قدرتها على التصدي لها. وتتابع قائلة " وإذا اتجهت الدولة لرفع الدعم عن الكهرباء فمن باب أولى نتوقع رفع الدعم عن القطاع البترولي لأن به سلع خاصة، وحذرت من رفع الدعم عن الخبز أو المساس به لأنه صمام أمان وإلا ستنفجر ثورة جياع، مطالبة بتوفير ثقافة جديدة وطرح بدائل عادلة وكافية للجميع".