يتحدث بعض "العقلاء" عن ضرورة الوصول إلى "حلول وسط" أو "حوار" أو "توافق" أو "تعايش"... إلخ. وهؤلاء "العقلاء" هم لا يخرجون عن فريقين: الأول "مش فاهم" والثاني"بيستعبط". ليه؟ أدعوكم لتدبر هذه الأسئلة والإجابة عليها بصوت عالٍ، عشان تسمَّع نفسك. هل يتصالح القاتل مع المقتول وهو يتوقع حكما بالإعدام أو المؤبد على أقل تقدير؟ هل يتصالح المتواطئون في الجريمة مع الضحايا وهم يتوقعون التنكيل واالملاحقة والفضيحة؟ هل يتصالح الأعوان من رجال الإعلام والقضاء وغيرهم وهم ينتظرون إقصاءهم من المشهد وقطع أرزاقهم، بل وربما ملاحقتهم في الشوارع من قبل بعض المكلومين وأهالي شهداء الانقلاب؟ على الجانب الآخر: هل يتصالح الإخوان والجماعات الإسلامية وهم يتوقعون مزيدا من الملاحقة والاعتقال وتلفيق التهم والسجن والتعذيب والقتل؟ هل يتصالح أهالي وأقارب وأصدقاء الشهداء؟ هل يتصالح عموم الرافضين للانقلاب وقد رأوا بأعينهم أول أيام الانقلاب الدموي وما صاحبه من دماء جرت في كل بقعة على أرض مصر؟ للتوضيح، لابد أن نطرح سؤالا آخر: من يكون صاحب المبادرة؟ الانقلابيون؟ الانقلابيون لن يبادروا لمثل هذه المصالحات أو الحوارات إلا في إطارين: الإطار الأول هو السبب، أي أن سبب الدعوة للحوار لن يكن إلا عندما يتيقنون من السقوط، وساعتها سيقومون بارتكاب مذابح و مجازر أو اعتقالات أكثر عنفا و كثافة للضغط على الطرف الآخر، وهو ما سيغلق باب الحوار نهائيا وتكون نهاية الانقلاب القاصمة. الإطار الثاني هو الشكل النهائي لما بعد الحوار، أي أن الانقلابيين لن يقبلوا بوضع يخرجهم من السلطة، وإلا تعرضوا لمحاكمات ثورية تخرجهم ليس فقط من الحياة السياسية بل من الحياة كلها. من أيضا يكون صاحب المبادرة؟ وسطاء؟ أولا- كل من كان في خلفية زعيم الانقلاب أثناء إعلان الانقلاب لا يصلحون أن يكونوا وسطاء، وهم (المجلس العسكري، الكنيسة، الأزهر، حزب النور، وغيرهم) لأنهم من أفراد العصابة. ثانيا- دول ومنظمات رسمية دولية كالاتحاد الأوروبي والصين و غيرهم ، وإن كانت هذه الدول والمنظمات لها وسيلة ضغط على الانقلابيين، فليس لها مثلها على مناهضي الانقلاب. ثالثا- متواطئون مستترون، كبعض قيادات الجيش او المخابرات الذين يتم تلميعهم من حين لآخر كتمهيد لما بعد الانقلاب (رئيس المخابرات السابق، بعض قيادات المجلس العسكري، وزير الخارجية الأسبق أبو الغيط، وغيرهم)، ولا أحسب أن قيادات التحالف من السذاجة بمكان بالانخداع بمثل هؤلاء ثانية. من أيضا؟ هل هم بعض من قيادات التحالف؟ إن كان لقيادات التحالف التي مازالت خارج السجون القدرة على الحشد، فلا أحسب أن الملايين التي خرجت على استعداد للتراجع بتوجيه أو أوامر من هذه القيادات، فقد كانت أسباب فشل كل الثورات السابقة كونها تابعة لفرد أو فصيل معين، بحيث يسهل الضغط عليه أو ترغيبه، أو حتى اعتقاله أو قتله. أما هذه الثورة المباركة، فهي امتداد لثورة قادتها أفراد و مجموعات، واتسعت لتشمل عموم الشعب. نقطة أخرى، هل يعترف الشعب بمن تبقى خارج السجون من قيادات التحالف، والذي تعمد الانقلابيون إبقاءهم بالخارج باعتبارهم أشخاصا "حواريين، توافقيين"، يمكن التصالح على حلول وسط عن طريقهم؟ أمر آخر وجب الانتباه له، إن أي تفاوض لن يكون إلا مقابل مطلب واحد فقط للانقلابيين: "الناس تروَّح بيوتها". وهو أمر مرفوض تماما من قبل الشعب كله، فبترك وسيلة الضغط الوحيدة تنكشف بطوننا وظهورنا، وليس هناك أية ضمانات من قبل مجرمي الانقلاب، فتكون النتيجة ترك الميادين، وفي المقابل مزيد من الاعتقال والمحاكمات والتمكين لعودة النظام القديم. وهذه كانت هيئة مفاوضات الدولة الصهيونية المغتصبة مقابل السلطة الفلسطينية: "الأرض مقابل السلام"، فكان خذلان السلطة العميلة في مقابل المزيد من الاحتلال وبناء المستوطنات، ومزيد من الملايين في حسابات عملاء السلطة. في النهاية، وبناء على ما تقدم: طريق الدماء الذي سلكه الانقلابيون المجرمون ليس فيه طريق رجعة آمن، وطريق التضحيات الذي سلكه مناهضو الانقلاب لا يجب أن يفكروا بالاستدارة للخلف والبحث عن مخرج آمن منه عبر حلول وسط، خاصة إن كانوا يحبون بلادهم ودينهم ومستعدون للتضحية بكل ما يملكون لكيلا يرجع الوطن للوراء لعقود - بل قرون - طويلة. ليس هذا فقط، بل إن هذا الانقلاب سيكون سنة يتبعها المجرمون في أوطاننا بعد كل ثورة، أما الدول التي لم تقم فيها ثورات بعد، فعندما تجد شعوبها كل هذه التضحيات وعودة الأنظمة القمعية بعدها، فستتخذ قرارا بالقعود والرضا بحكم أنظمة قمعية مألوفة وتفضلها عن حكم أنظمة دموية قتلها وإجرامها غير مألوف أو محتمل. صدق شيخنا الجليل، الشيخ حازم: "ثورات الشعوب لا تعرف حلولا وسطا". وسمى د. طارق السويدان ثورة يناير ب "نصف ثورة"، وسمى ثورة اليمن ب "ربع ثورة". أحببت أن أفصل في هذا الموضوع؛ لأننا بدأنا نسمع أصواتا من بعض "المخلصين" تتحدث عن حلول وسط وحوار وتوافق، وأعتقد بمرور الوقت سنجد بعض هؤلاء "المخلصين" على قائمة من سنحاكمهم بعد سقوط الانقلاب على خيانتهم وتواطئهم.