قبل نحو 8 أشهر تحديدًا، شعر الدبلوماسي إبراهيم يسري بأنه حانت لحظة الوداع، فأودع في 8 نوفمبر قضايا ودعاوى رفعها- وهو المناضل والأديب والمحامي أيضا- للدفاع عن مصرية تيران وصنافير ونهر النيل وحقول الغاز المصرية في المتوسط، والتي استولى عليها الصهاينة بسماح سلطات الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي لهم بذلك. ولكنّه رغم استئذانه إلا أن تلك القضايا كانت الهاجس الذي يظهر في مداخلاته التلفزيونية على المحطات الثورية التي تنطلق من الخارج، فضلا عن قناة الجزيرة المهتمة بالشأن المصري، حتى على صفحاته على “الفيسبوك” و”تويتر” شغله في آخر تغريداته الشأن الجزائري والوضع في السودان، مطلعًا على مواقع القنوات والأخبار. واعتبر كثير من الناعين له عبر صفحته، أن لقب الدبلوماسي والسفير تشرف بإضافته إلى قامة وطنية تجمع المعارضين والرافضين للانقلاب، فاختاره أعضاء الجبهة الوطنية التي تشكلت أخيرا في المنفى رئيسًا لهم، ومن قبلهم جبهة الضمير التي ضمت بين جنباتها أعضاء من تيارات شتى، كان منهم الدكتور محمد البلتاجي، والمستشار وليد شرابي، والمحامية نيفين ملك، وعمرو عبد الهادي باعتباره رمزا العمل النضالي المشترك. إبراهيم يسري يستأذن في الانصراف والتحق السفير إبراهيم يسري بوزارة الخارجية عام 1957، وأُحيل إلى المعاش عام 1995 بعد بلوغه السن القانونية، واجتاز “يسري” في بداية حياته كسفير امتحانًا بنجاح، لم يضره بدء التحاق ضباط الثورة من المرضى عنهم بالخارجية؛ مكافأة لهم على إخلاصهم، فتراجعت الكفاءة وتقدم الولاء، وضاعت القدوة والمثل العليا، ومع ذلك فإن السفير إبراهيم يسرى الذى بدأ من أول السلم، واستطاع أن يشق طريقه بنجاح كبير، ووصل إلى أعلى المناصب بالخارجية سفيرًا بالدرجة الممتازة. وتم تعيينه برتبة مساعد سفير في العراق وقت وقوع انقلاب عبد الكريم قاسم فغادرها إلى رومانيا، وبعد اعترافها بالكيان الصهيوني تركها وتقلد منصب مساعد وزير الخارجية للشئون القانونية، ثم سفيرا لمصر في الجزائر وقت حدوث لعبة أبناء مبارك وأولاد بوتفليقة، لكنه سرعان ما احتوى الموقف وكبح جماح أتباع عيال مبارك في بناء بطولات عبثية وتفريغ الغضب الشعبي فيها على حساب علاقة الشعبين الشقيقين. وخدم السفير الراحل في العديد من الدول مثل الجزائر ومدغشقر ورومانيا وبريطانيا والهند، وترأس المحكمة الإدارية لمنظمة الوحدة الإفريقية من عام 1983 إلى عام 1985، ودوره كبير كذلك في مفاوضات طابا، حيث ترأس اللجنة الفنية، وكان مديرًا عامًا للإدارة القانونية والمعاهدات، وأُوكلت إليه عقد العديد من الاتفاقيات الدولية، وقام بتدريس القانون الدولى بالمعهد الدبلوماسى، وشارك فى وضع امتحانات تلك المادة بالخارجية المصرية، وكان خلال سنوات عمله يلقى كثيرًا من المحاضرات، ويشارك فى الندوات التى تتناول قضايا سياسية أو قانونية. حياته النضالية يقول الباحث رضوان جاب الله: إن السفير يسري رحمه الله رفع قضية على حكومة مبارك في بيع الغاز للكيان الصهيوني وتوثيق تفريط الفسدة في المحاكم المصرية ورفع دعوى قضائية بوقف بناء السور العازل على غزة، واشترك في كل المبادرات الوطنية وأيد الثورة منذ انطلاقها وأسس جبهة الضمير للتصدي للتضليل الإعلامي الذي مارسه المجلس العسكري بشكل خفي ضد حكومة الثورة ورئيسها المنتخب الدكتور محمد مرسي ومكتسباتها الوطنية، كان يحمل على سرير المرض ليشارك في الندوات والمؤتمرات ويتصدى للثورة المضادة بكل ما استطاع. وأنه كتب عشرات المقالات الموجعة الباكية على أحوال مصر بعد الانقلاب العسكري، بل وسار في مسار رفع دعاوى قضائية لتوثيق تفريط العسكر في غاز شرق المتوسط والتهاون القانوني المخزي في حقوق مصر المائية في النهر الخالد وبيع جزيرتي ثيران وصنافير، ولكن الجماعة الوطنية كانت قد تمزقت في السجون والمنافي فعانى معاناة كبيرة في أيام مرضه بفقدان الحاضنة الوطنية من النخبة المخلصة التي كانت تنزل مثل هذا الرجل منزلته اللائقة به. كما أشار إلى تعرضه للتشويه ومحاولة قطع معاشه وتلفيق قضية لها لإسكات صوته، لكن رصيده من العمل الوطني كان كافيا لصد الهجمة الاستبدادية الهمجية عن تلويث صفحته البيضاء، لم يهدأ لحظة ولم يغير مبادئه، عاش مجاهدا صادعًا بالحق. الأديب والقضايا الخمس يقول عنه الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس: إن “صديقى السفير إبراهيم يسرى لم يعتزل الحياة بعد إحالته إلى التقاعد، بل بدأ نشاطًا واسعًا، فقد عمل بالمحاماة، واشتُهر بأنه محامٍ محترم، وقام بإلقاء العديد من المحاضرات، وكتابة المقالات، وله أكثر من ألف مقال منشور فى مختلف الصحف والمجلات، وأصدر عدة كُتب أولها عن أزمة الجامعة العربية وكيفية تطويرها، وكتاب آخر عن الغزو الأنجلو سكسوني للعراق، وهناك كتاب عن الأصول الجديدة لإدارة علاقات مصر الخارجية، والذى لا يعلمه الكثيرون، أن صديقي العزيز عنده موهبة فى الكتابة الأدبية قام بتنميتها وتأصيلها، فدرس السيناريو فى معهد متخصص بذلك فى القاهرة، واستكمل تلك الدراسة فى كاليفورنيا، وأصدرت له دار الهلال عملًا دراميًا عنوانه “رجل وأربع نساء”، يتحدث فيها عن فترة عبد الناصر، وله أعمال أخرى مثل “الأذن تعشق”، و”قلب من حجر”، و”المراهقة بعد الستين”، و”نور الحياة”، و”عالم مزيف”، وغير ذلك. وحذر دبلوماسي الضمير من الأوهام الخمسة وهي القانون الدولي، والمجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، وحقوق الإنسان. وكان رحمه الله يضع شعار رابعة على حسابه في (تويتر) ويقول: “هذه أكبر جريمة في العصر الحديث، ويجب محاكمة كل من شارك فيها وأمر بها”، معلنا تأييده الحكم المدني والحياة الديمقراطية والإخوان ككيان وطني مهم في بناء مصر الحديثة، مثل كل الكيانات الوطنية، وأن وصفهم بالإرهاب ظلم وخسارة وطنية. وكان يرى أن مصر تُحكم عسكريًّا منذ 68 سنة، ولم تتقدم خطوة عميقة نحو الإصلاح الشامل والنهضة، وكل سنة عسكرية زيادة تؤخر مصر عقدا من الزمن الحكم العسكري أكبر عقبة في طريق التقدم. ابن الشرقية والسفير الراحل إبراهيم يسري من مواليد 8 يونيو 1935، أي أن بين مولده ووفاته يومين فقط، بقرية السلامون مركز ههيا بمحافظة الشرقية، ووالده الشيخ يسري عبدالرحمن أحد دعاة ومدرسي الأزهر، تبرع بعد وفاة والده بأكثر ما ورثه من الأرض لبناء مدرستين في بلده، ابتدائية وإعدادية، وكان والده من تلاميذ الشيخ محمد عبده، شارك بفاعلية فى ثورة 1919م. تخرج السفير إبراهيم يسرى، من مدرسة الزقازيق الثانوية، ثم حقوق عين شمس عام 1952، وكان من أساتذته أستاذ الاقتصاد، الدكتور حلمى مراد، والقانون الدولى الأستاذ محمد حافظ غانم، والقانون المدنى الدكتور عبد الحى حجازى. ثم تخرج لاحقا من جامعة للقانون الدولي بكاليفورنيا. مرسي كان قديسًا ولم يكن رئيسًا