في الوقت الذي يستعد فيه برلمان الأجهزة الأمنية لتمرير التعديلات الدستورية المشبوهة التي تفضي إلى تأبيد زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي في الحكم مدى الحياة، ومنحه صلاحيات مطلقة، وجعل الجيش وصيًّا على الشعب بدعوى صون وحماية الديمقراطية ومدنية الدولة؛ لا تزال قيادات النظام مصدومة من الانتقادات الحادة من جانب الإعلام الأجنبي لهذه التعديلات. وتأكيدا لذلك، نشرت صحيفة الأهرام الحكومية، في عدد اليوم الثلاثاء 12 مارس 2019م، تقريرًا بعنوان “الإعلام الأجنبي.. و«فزاعة» التعديلات الدستورية”.. حيث اعتبرت الصحيفة الحكومية التقارير المنشورة في الصحف الأمريكية والأوروبية، والتي تنتقد هذه التعديلات المشبوهة، محاولة لفرض وصاية على الشعب المصري!. ويبدو أن الصحيفة الحكومية قد أصابها الحوَل، فباتت ترى الحق باطلا والباطل حقا؛ ذلك أن من يفرض وصايته على الشعب بالحديد والنار هو النظام العسكري الفاشي الذي تدافع عنه أبواق العسكر الإعلامية؛ أما التقارير المنشورة في الإعلام الغربي ما هي إلا رصد لما يحدث، وانعكاس لحقيقة الأوضاع المزرية في مصر. تقول الأهرام، في تقريرها، “أبدأت وسائل الإعلام الأجنبية المعادية للدولة المصرية رحلتها مع محاولة «فرض الوصاية» على الشعب المصري، من خلال حملتها للتدخل بشكل فج فى قضية التعديلات الدستورية المقترحة، وتحويل حملة التعديلات بأكملها إلى «فزاعة» للرأى العام المحلى والعالمي”. وتضيف الصحيفة الحكومية «فقد أسهبت وكالتا «رويترز» و«أسوشيتدبرس» وشبكة «بى.بى.سى» فى عرض الانتقادات التى يوجهها بعض الأفراد وأصحاب المصالح داخل مصر وخارجها للتعديلات الدستورية، فى محاولة واضحة للإيحاء كذبا باتساع مساحة الرفض الشعبى لها، والترويج للإساءات والشكوك التى تمس مؤسسات الدولة المصرية وصورتها، سعيا منها إلى فرض «الوصاية» على مصر وشعبها، من خلال التلاعب بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان على النحو الذى دمر دول المنطقة وأشاع الفوضى ونشر الإرهاب بها على مدار السنوات الأخيرة». وراحت الأهرام تستعرض هذه التقارير التي تنتقد هذه التعديلات المشبوهة: أولا: بثت وكالة «رويترز» تقريرا بتاريخ 5 فبراير 2019 بعنوان «برلمانيون مصريون يمهدون الطريق أمام السيسى للبقاء فى السلطة حتى 2034»، تزعم الأهرام أن التقرير لم ينقل فيه سوى وجهة نظر واحدة فقط، وهى المعارضة للتعديلات، حيث نقلت عن مسئول بمعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قوله: إن التعديلات الجديدة مصممة لمنح كثير من السلطات للرئيس دون مساءلة. وتضيف أن رويترز كانت أكثر موضوعية فى تقرير بثته بتاريخ 4 فبراير بعنوان «وثيقة .. المقترحات الدستورية قد تسمح للسيسى بالبقاء فى السلطة حتى عام 2034»، إذ نقلت فى سطوره بعض الآراء المؤيدة للتعديلات الدستورية المقترحة، ومن ذلك قول مؤيدى السيسي إن مد فترة حكمه ضرورة للسماح له بالبقاء لفترة أطول من أجل استكمال خطط التنمية الاقتصادية وضمان استقرار مصر!. ثانيا: علقت الأهرام على تقرير نشرته وكالة «أسوشيتدبرس» ووصفته بالأكثر فجاجة فى تناولها للموضوع، إذ بثت بتاريخ 6 فبراير 2019 تقريرا بعنوان «المعارضة المصرية ترفض إجراء مد فترة حكم السيسي»، قالت فيه إن «اثنين» من زعماء المعارضة، شكلا ائتلافا ضد التعديلات المقترحة على الدستور، وبقراءة تفاصيل التقرير، نفاجأ جميعا بأن «زعيمي» المعارضة هذين ما هما إلا قياديان فى حزب ليس لا وجود له على الأرض، بدليل أن التقرير نفسه تضمن تعليقات من «خبراء» أكدوا أن أحزاب المعارضة فى مصر ضعيفة للغاية!. وتضيف الأهرام أن وكالة أسوشيتدبرس كانت قد سلكت النهج نفسه فى تقرير سابق بثته بتاريخ 5 فبراير عن الموضوع ذاته، نقلت فيه تغريدة محمد البرادعى التى تباكى فيها على «مسار الربيع العربي» الذى سيتم العدول عنه فى حالة إقرار التعديلات الدستورية المقترحة!. ثالثا: لم تسلم هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» من تشويه أبواق العسكر، حيث اعتبرت الأهرام أنها كانت أكثر نشاطا فى بث التقارير والبرامج التى تهاجم التعديلات الدستورية، ولا تعرض سوى وجهات نظر المعارضين للتعديلات وحدهم دون غيرهم، فقد بثت تقريرا بتاريخ 5 فبراير بعنوان «نواب البرلمان المصرى يصوتون على مد فترة ولاية الرئيس»، تضمن فقرة تقليدية تصر وسائل الإعلام الغربية على «تلقينها» لجمهورها، تقول إن «السيسى يشرف منذ الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية، على ما تصفه المنظمات الحقوقية بحملة قمع غير مسبوقة أدت إلى اعتقال عشرات الآلاف من الأفراد». وتشيد الأهرام بالتقرير الذي نشرته الهيئة البريطانية بتاريخ 6 فبراير ونقلت فيه انتقادات وجهتها صحف عربية ذات توجهات معروفة لهذه التعديلات الدستورية، ثم نقلت دفاع صحف مصرية عن التعديلات، مؤكدة حاجة البلاد إليها لدعم الاستقرار الأمنى والسياسى بها. ووفقا للأهرام، فإن أغرب التقارير ما بثته بتاريخ 7 فبراير بعنوان «لماذا أثار مطلب إجراء تعديلات دستورية جدلا فى مصر»، إذ نقلت البى بى سى من خلاله استنكار معارض مصرى للتعديلات المقترحة بدعوى «تعارضها مع الديمقراطية»، وتدافع الصحيفة الحكومية عن هذه التعديلات المشبوهة وترى أنها الديمقراطية بعينها!. وتنتهي الأهرام في تقريرها، إلى طرح سؤال حول مدى فشل ما أسمتها بمحاولات الإعلام الأجنبى فرض «وصايته» على المصريين، مثلما فشلت جميع محاولاته على مدى سنوات فى تقويض أركان الدولة المصرية وتشويه صورتها أمام العالم!. إدارة أمنية لا سياسية من جانبه، انتقد الباحث في الشئون السياسية أحمد الشافعي، إصرار النظام على هذه التعديلات، مؤكدا أن ملف التعديلات يتم إدارته بطريقة أمنية وليست سياسية، بينما كان يمكن للنظام السياسي أن يجعل من القضية محل نقاش مفتوح، في ظل أن القاعدة الشعبية لن تصوت في النهاية ضد التعديلات أيا كانت، وفق تاريخ الاستفتاءات المصرية. ويضيف الشافعي، في تصريحات صحيفة، أن حرص نظام الانقلاب العسكري برئاسة السيسي على إدارة الملف بشكل أمني يبرهن على عدم ثقته في دعم الشعب لمواقفه، أو قناعته بما يطرحونه من أفكار، ورغم أن طريقهم نحو إقرار التعديلات محدد سلفا، والنتيجة شبه محسومة، إلا أنهم لا يريدون الدخول في مطبات سياسية وجماهيرية، رغم استبعاد تحقيق ذلك. ويلفت الشافعي النظر إلى أن نظام السيسي لا يريد أن يمنح القوى والأحزاب السياسية المناوئة له أي فرصة للتواجد السياسي والجماهيري، وهو بذلك لا يريد تكرار تجربة التعديلات الدستورية في 2007/ 2008، حيث استغلتها المعارضة وقتها، وخاصة الإخوان المسلمين، بشكل مميز في توحيد جبهة كل القوى المعارضة لمبارك، وكان من نتائجها تشكيل الجمعية الوطنية للتغيير برئاسة محمد البرادعي، ثم ثورة 25 يناير 2011 بعد ذلك.